تشهد الساحة الصحفية والثقافية حضوراً لطائفة ممن يقومون بالكتابة وممارسة الإبداع الأدبي، بعد تقاعدهم عن الوظيفة، أو بعد أن جاوزوا العقد الخامس أو السادس، ولم يعهد عنهم من قبل في سنواتهم الماضية أي اهتمام بالإبداع والكتابة الصحفية، أو الاشتغال بالهّم الثقافي. فهل هذا يعني وجود "دوبلير" ثقافي، يقف خلف هذه الشخصية ويطلب منه في الخفاء، الكتابة الصحفية، أو نظم الشعر، أو حبك القصص والروايات؟ حتى يقدم هذه الشخصية للمتلقي على أنه مشتغل بالأدب مهتم بالإبداع، وذلك بعد أن خفت عنه ضوء الوظيفة وبريقها الاجتماعي، وأضحى ينشدها في الكتابة الصحفية ويبتغيها في الإبداع الأدبي. ثقافة الرياض حملت هذا السؤال وطافت به بين المشتغلين بالأدب والصحافة، فكانت هذه الآراء. الحساني: هناك من فضلوا الاعتماد على غيرهم كسلاً وتهاوناً فاتخذوا لأنفسهم «دوبليرات» في مطلع هذا الاستطلاع يتحدث الكاتب الصحفي المعروف الأستاذ محمد الحساني حيث قال: إذا كان في المجتمع من يقوم بإعداد البحوث والرسائل الجامعية حسب المواصفات والمقاييس المطلوبة من قبل من يدفع مالاً لينال بها درجة أكاديمية (ماجستير أو دكتوراه)، حيث يقوم بنفي الباحثين والعاملين في المكتبات التجارية بدور الدوبلير في هذا المجال، وقد يختلف الطرفان في يوم من الأيام فيفضح "الدوبلير" صاحبه ويقدم للصحافة والإعلام أن الذي قام بكتابة البحث أو ألّف الكتاب هو "الدوبلير" وليس من زين الغلاف اسمه الرشيق، كم حصل من قبل ونشر في الصحف المحلية، اذا كان ذلك يحصل في مجال راق مثل البحوث والدراسات والرسائل العلمية التي يحصل بموجبها صاحبها على درجة أكاديمية أو ترقية علمية، فلماذا نستغرب وجودها في الأوساط الثقافية والصحفية التي يهفو لارتيادها عشاق الشهرة سواء كانوا من أهلها أو من الدخلاء عليها، وليس شرطاً أن يكون عاشق الشهرة المستخدم للدوبلير متقاعداً عن العمل الإداري والمالي أو أنه لم يمسك القلم، إلا بعد تجاوزه العقد السادس من عمره، مع عدم وجود نشاط ثقافي أو أدبي من قبل، لأن هناك من مارس الكتابة والثقافة من يكونون في سن مبكرة وقد تكون لديهم مواهب محدودة لو رعوها ونموها لأصبح لهم في مجال الأدب والثقافة والصحافة شأن يذكر، ولكنهم فضلوا الاعتماد على غيرهم كسلاً وتهاوناً، فاتخذوا لأنفسهم "دوبليرات" من الداخل أو الخارج، يكتبون لهم قصائد الشعر ومقالات النثر ودراسات في الأدب أو التاريخ. ويمضي الكاتب الحساني في طرح رؤيته فيذكر: أن أمثال هؤلاء سريعاً ما ينكشفون لو أنهم تحدثوا في محفل أو من على منبر ثقافي، لأنهم يرفعون المنصوب ويجرون المرفوع ويرفعون المجرور، وإذا ألقوا الشعر كسروا أوزانه وخاطره، ولكنهم قد يحمدون من يصفق لهم إما لأن الحضور من الطبقة نفسها، وإما لأن المجاملات تسود بينهم، لاسيما إن كان متصنع الأدب والثقافة من أرباب الثروة، أو المكانة الاجتماعية. ولو تكاثر أمثال هؤلاء الأدعياء فإن الكتاب والشعراء الأصلاء قد ينسحبون إلى الزوايا تاركين صدور المجالس للمتردية والنطيحة. القرشي: حتى بعد أن انكشفت استعانتهم ب»الدوبلير» واصلوا حضورهم الكتابي أما الروائي والكاتب الأستاذ صلاح القرشي فينضم إلى نفس رؤية الحساني ويرى في كتاباتهم الرداءة وضعف الطرح ويقول أيضاً: الحقيقة أننا في زمن يمكن للوضع المالي والاجتماعي أن يشتريا الكثير من الأشياء، وموضوع الشهادات الجامعية الذي تفجر أخيرا ليس ببعيد. هكذا يمكن لصاحب الجاه الاجتماعي أو الجاه الاقتصادي أن يصبح فجأة شاعراً يشار له بالبنان أو مفكراً تتسابق الصحف لتمنحه مساحة يتسلى فيها برؤية صورته الجميلة وقد اعتلت مقالات تحلل وتناقش مختلف المستجدات. تهبط العبقرية فجأة على هؤلاء فيقررون أن يغتنموا الفرصة قبل أن يمضي العمر فيشترون حضورهم الأدبي والثقافي كما يفعلون مع الأسهم والسندات والأراضي. ومن المؤسف القول هنا ان كل هذا يمرّ دون أن يلقى التمحيص والتدقيق، حتى أن كتب القص واللصق تحقق الكثير من المبيعات، بل إن بعض أولئك يواصلون حضورهم الكتابي حتى بعد أن انكشفت استعانتهم بالدوبلير الكتابي من خلال قضايا وصلت للمحاكم، وهو الحال نفسه الذي يفعله أصحاب شهادات الدال المزورة، فهم يواصلون حضورهم الإعلامي والكتابي والثقافي دون أن يرف لهم جفن وحتى بعد أن تكشفت الكثير من الحقائق حول الشهادات التي تباع وتغلف بورق فاخر كما هو الحال مع ساعة فاخرة أو قلم مطلي بماء الذهب. وربما لهذا نجد أكثر ما يميز صحافتنا هو كثرة الأعمدة الصحافية، التي يمنح بعضها لأولئك الوجهاء القادرين فجأة على الكتابة عن كل شيء، وربما لهذا أيضاً لا تتميز هذه الكثرة بشيء فأغلبها يتشابه في الرداءة والتكرار وضعف الطرح والأسلوب. الرويس: «الدوبلير» الثقافي ضياع للهوية ويصنع المثقف الوهمي ويعكس صورة سلبية عنا ويتفق الباحث والكاتب الصحفي الأستاذ قاسم الرويس مع من قبله ويصفها أنها مأساة ثقافية انتهكت فيها القيم الثقافية، ويضيف أيضاً: حقيقة كنت أعلم عن وجود دكاترة وهميين يكتبون في الصحافة السعودية واضعين الدال في صدر المقال لفرض أنفسهم على الساحة الإعلامية والثقافية كدكاترة حقيقيين وخبراء استراتيجيين فهدفهم من الكتابة هو التسويق لذواتهم من خلال شهاداتهم الوهمية وحضورهم الإعلامي المدفوع بطريقة أو بأخرى، ولكن لم أكن أعلم عن وجود كاتب منتظم في إحدى الصحف يقوم (دوبلير) بتمثيل دور الكاتب نيابة عنه حتى أخبرني أحد الكتاب المحترفين شخصياً بقيامه بهذا الدور لشخصية غير موجودة على أرض الواقع صنعها بنفسه في أكثر من صحيفة!! تاريخياً ومن خلال اهتمامي بالنواحي الأدبية فظاهرة (الدوبلير) لها حضورها في الصحافة من خلال بوابة الإبداع الشعري وخاصة في الشعر الشعبي فهناك شخصيات معروفة من ذوي المال والجاه أصبحوا شعراء بقدرة قادر فغنى لهم المطربون وسلطت عليهم أضواء الإعلام ولم يكن لتسقط أقنعة الشعر عنهم لولا أنهم تمادوا حيث لم تقنعهم الأضواء الصامتة طلباً للأصوات التفاعلية والتصفيق المتعالي الذي يرضي غرورهم فانساقوا إلى إقامة الأمسيات الشعرية فانكشف من خلالها المستور وسقطت الأقنعة عن النجوم ذات اللمعان المصطنع لأن هناك فرقاً بين قراءتك للقصيدة وسماعك لها من لسان شاعرها فمن السهل على المجلة أو الجريدة وضع القصيدة على صفحتين بإخراج متميز مصحوبة بصورة الشاعر الوهمي ولكن في الأمسية لا يستطيع أحد إلقاءها نيابة عنه!! فأضحكوا الناس عليهم بعدم قدرتهم على قراءة أشعارهم المفترضة فكسروا الأبيات الموزونة ونطقوا الألفاظ بخلاف النطق الصحيح فعلم الناس أنهم يستمعون لظل الشاعر وليس للشاعر!! ونحن هنا أمام قضية ثقافية خطيرة تتمحور حول بيع الإبداع وتأجير الأقلام بحثاً عن الشهرة الزائفة التي ستكون نتيجتها كما قال الشاعر: كثاقبة لحلي مستعار == بأذنيها فشانهما الثقوب ويواصل الرويس طرح فكرته بتوسع وعمق فيقول: فإذا شاهدنا بعض الذوات الذين لم يعرفوا باهتماماتهم الأدبية أو بمواهبهم الإبداعية أو بنشاطاتهم الكتابية ينصرفون إلى كتابة الزوايا والأعمدة الصحفية بعد التقاعد وانحسار أبهة المنصب وتطبيل المتملقين بهدف البقاء تحت الأضواء وعدم الموت في الظلام فذلك شأنه فليكتب بنفسه ما شاء فربما يكون نابغة من نوابغ الزمان ولكن أن يستعين ب(دوبلير) يؤدي مهمة الكتابة وتنشر تحت اسمه وصورته فهذا أمر إذا صح وجوده مرفوض جملة وتفصيلا لأن فيه ضياعا لهوية الثقافة باختلاط نسب الإنتاج الثقافي وصناعة المثقف الوهمي الذي يعكس صورة سلبية عن الثقافة السعودية خاصة والثقافة العربية عامة. أقول هذا الكلام وأنا أعلم علم اليقين عن كتب صدرت بأسماء بعض الذوات من ذوي المنصب أو الجاه أو المال واحتفت بها وسائل الإعلام وطبل لها المطبلون في حين ظل مؤلفوها الحقيقيون وراء الستار بعد أن قبضوا الثمن! نحن أمام مأساة ثقافية انتهكت فيها القيم العلمية والأدبية بالبيع والشراء في سوق الإعلام الرخيص الذي يندفع إلى مقامات الرجال الاجتماعية أكثر من اتجاهه إلى ملكات الإنسان الفكرية أو قدراته الثقافية، لأن المثقف في السابق كان يصنع الإعلام أما اليوم فالإعلام يصنع المثقفين!! الطريف في الموضوع أن التشكيك في كتابة كاتب لعمل من الأعمال الأدبية والتكهن بمؤلفه الحقيقي يتسبب دائماً في إشهار العمل الأدبي وتسويقه فرواية أحلام مستغانمي (ذاكرة الجسد) التي تعد من الأعمال الروائية الشهيرة في العالم العربي كانت رواية عادية حتى كتب الصحفي التونسي كارم شرف مقالاً رأى فيه أن الشاعر سعدي يوسف يختفي تحت قلم أحلام مستغانمي فطارت شهرة الرواية في الآفاق. شاكر: أعيدوا للقلم قيمته فمنصة الكتابة أشرف من أن تتخذ منها مآرب كاذبة وبنفس النبرة النافرة من الدوبلير الثقافي ينبري الكاتب الصحفي الأستاذ ثامر عدنان شاكر إلى هذه الزمرة من المعتدين على حرم الكتابة والإبداع وقال: قال لي صديقي ذات مرة.. لو كان بيدي، لأسكنتك جزيرة وأعطيتك ملايين الدنيا، وحجبتُ عنك كل هذه الضوضاء ولوهبتك ملذات الحياة وكنوز الأرض من أقصاها إلى أقصاها، ثم لأعطيتك قلماً وورقة.. وقلت لك أكتب.. فمثلك خُلق ليكتب فقط!! ولا أدري إن كان صديقي الغالي يهجوني لفشلي في شؤون الحياة عدا الكتابة، أو أنه يمقت رؤيتي فأراد عزلي عن الوجود؟؟! ففي الحالتين سألقى حتفي إن فعل ما نوى، ولمات هذا القلم البسيط بالسكتة القلبية!! مصادفةً مع هذا الموقف وعلى طرافته، تلقيتُ مكالمة من أحد نُقادنا الكبار، يطلب مني المشاركة في تحقيق صحفي يُناقش ظاهرة مضحكة جداً " تفشي الكتابة" !! وها أنا أبتسم وأنا أكتب سطوري هذه وكلمات صديقي الطبيب المُنهمك في عمله، حين همس في أذني هو الآخر.. "يا أخي كل الناس أصبحت كتاباً ومؤلفين" !! والحقيقة التي ليس بوسع عاقل أن يُنكرها أن الكتابة حقٌ مشروعٌ لكل من أراد أن ينثر بوحه أو يُشارك العالم تجربته. ألم يقل نزار الكتابة انفجار.. ومن الذي يملك أن يُقيّد أصابعَ أرادت أن تتنفس.. يكفينا قضباناً وقيوداً! بل إني أؤمن أن الكاتب الحقيقي لا يكتب لينشر فقط، أحياناً هو يكتب حتى يزداد صمته ألف صمت.. حتى لا ينفجر ! القلم الصادق إمبراطور يأمر فيطاع، يقول فتُنصت له القلوب، يعبس، يبتسم، فتتشكل الوديان والسحب ويتغير شكل الأرض.. لكني لطالما تساءلت كيف تجد رجلاً في نهاية عمره ألّف كتاباً أو أصبح كاتباً فجأة يُشار إليه بالبنان ويوصف بأنه أديبٌ أريب! والموضوع لا حسد من ورائه ولا يحزنون.. بل وإنصافاً للحق، ففي الغرب الفاسد والعياذ بالله، تجد أن أنجح الكُتب تلك التي تولد من رحم أصابع أصابتها تشققات الزمن، وكسا ملامحها الشيب، لتحقق أكثر الكتب مبيعاً حول العالم. العقول تستمتع بالتجربة والقلوب تدق لمن يعانقها بخبرة وحنان.. أكثر بكثير من ثرثرة فارغة لا تسمن ولا تغني من ألم. كل هذا مفهوم جداً ومقبول جداً، لكن الفارق كبير بين مثل تلك العقول التي أرادت أن تترك أثراً يتعدى حدودها وتشارك العامة تجربتها وقد سردت خُلاصة العمر في شتّى المجالات وأسهبت في وصف قصص النجاح والفشل، من خلال كتاب أو مقال، وما بين تلك التي اتخذت من منصات الكتابة ومنبر الكلمة أهدافاً أخرى.. هناك، تجد في الأغلب اسم الكتاب وقد حمل اسم بطل الحكاية يليه اسم الكاتب الذي عصر الجمجمة ومنح التفاصيل جمالاً ورونقاً وحبكة من خلال قلمه الساحر. فرقٌ بين القاص وبين من يصيغ الجُمل ويخرج العبارات في أجمل حُلة. فرقٌ بين صاحب الرؤية وبين المهندس الذي يحول التصميم إلى حقيقة من لحم ونبض. أخبرني أحد هؤلاء الذين ظهروا فجأة على صفحات جرائدنا الغرّاء، أنه إن أراد أن يكتب مقالاً، نادى على السكرتير وأملى عليه رؤوس الأقلام، وأمره أن ينطلق ليُبحر في كتابة النص، الذي سيذيل لاحقاً باسم صاحبنا الهلامي.. وأذكر جيداً كيف أن أحدهم غضب حين جادلته وقد وصفت ما كتب بان أجمل ما في نصه لا يتعدّى حدود العنوان لمقالٍ ولد رديئاً وقد كُتب بعاميةٍ فجة!! أخبرته يومها أنّ له الحق أن يُحلّق ويغني ويصرخ ويثور على كل شيء، عدا أصول اللغة! ويمضي شاكر ساخراً من هؤلاء الكتبة: مثالٌ آخر أننا لا نعي معنى ميثاق القلم ولا نحترم أصول الكلمة المقدسة. سُئل مرة أحد الحكماء عن السر وراء إصرار البعض أن يرتدي زي الثقافة والأدب ويمضي متباهياً، فقال مبتسماً.. " للثقافة بهاءٌ وحضور لا يستطيع أن يُضاهيه أحد.. إنه إزار العظمة"! ومن الذي يملك أن يُجادل مثقفاً.. أو حكيماً، لا بد أنك ستفكر ألف مرة قبل أن تُقحم نفسك في معركة قد تخرج منها مشوهاً.. أو حتى غبياً جاهلاً ! كثيرةٌ تلك المفاجآت التي تأتيك فتجعلك تُفكّر وتدور حول نفسك، وكأنك تلقيت للتو صفعة نزلت على وجهك، أو قابلك موسم هطول أتى قبل ربيع عاق.. فجأة ! كيف غدت الكتابة استعراضا.. مسحوق تجميل نضعه على ملامحنا اليائسة التي مللناها وملتنا.. كما همس في أذني ذات مساء شجي، ذلك الصديق المغترب! مُريبٌ جداً أن تجد أعمدتنا الصحفية تحولّت فجأة إلى منصاتِ تكريم، وقد امتلأ مجتمعنا بمن يُصر أن يضع نفسه في خانة الكُتّاب، في إطار صناعي كاذب، محتلاً مساحة لا يملك صك ملكيتها ! كيف تاه عنّا في عالمنا العربي أن الكتابة موهبة، وأُعطية من البارئ !! أمثال هؤلاء، أبطالٌ من ورق!! من المخجل أن يكون بيننا من يظن أن القلم عصاً يتكى عليه حين يخفت بريق العمر، أو أن تكون الكتابة بالنسبة إليه منفذا لشهرةٍ أو جاها بعد أن توشك الدنيا أن تُدير ظهرها له وترحل عنه بلا رجعة. اليوم أكاد أجزم أن أحد أسباب عزوف الشباب عن القراءة هو تلك الأقلام الرديئة التي تُصيب النفس بالملل والعقل بالضجر فينفر القلب وتهرول العين بعيداً بمجرد أن تلتقي بمثل تلك الحروف الباردة التي تولد بلا روحٍ ولا إحساس. ومن أين يا ترى يأتي الإحساس وقد ولدت لقيطة بلا أصل ولا أساس! أجمل النصوص تلك التي تُصيبنا باللذة والمتعة، داخل بحور من المعرفة.. هنا فقط تكمن الدهشة. الكتابة والقلم شرفٌ لا يستدعي صاحبه بل يأتيه حبواً.. منصة الكتابة ليست ملجأً نهرول إليه حين تنحسر الأضواء، بل منصةٌ لا يجب أن يعتليها إلا من يملك حقاً أدواتها ولا يبتغي من ورائها مطمعاً محدوداً. محزنٌ جداً أن نتخذ من الكتابة بهرجاً اجتماعيا كذاباً، أو لقطة مُكمّلة لنواقصنا، نتباهى بها في كل محفلٍ ونحن خواء.. "بريستيجاً" يحمينا من قيظ الأيام. أعاصير الزمن وتقلبات الدهر تزيد القلم وقاراً وتكسو هامته بالشعر الأبيض وتصنع منه حكيماً جميلاً. مُنغصات الأيام تزيده وسامةً، وتطبع على وجنتيه قُبلة وتزيده قبولاً وطيبة.. وربما شراسة! وهنا يختم شاكر رؤيته عن الكتابة المتألقة التي تنبثق من رحم المعاناة فقال عنها: الكتابة معاناة.. الكتابة حبرها تجاربنا، سحرها آهاتنا.. الكتابة قلبٌ ونبضٌ يموت بعزلتنا! الكتابة حياةٌ تختنق أنفاسها إذا ما سكنّا أبراجنا العاجية بعيداً عن الأرض.. ببساطة، لو فعل صديقي الذي أراد أن ينفيني ما توعدني به، لحكم عليّ بالإعدام أمام مئة ألف حرف وخمسين ألف سطر أعشقهم وصفحات وفية أنام في أحضانها تؤيني إذا ما أشتد برد الأيام، وقلوب وهبتني ما سلبني إياه القدر. يقول محمود درويش "أكتب في كل مرة، كأنني أكتب لأول مرة، وربما لآخر مرة!". صدق شاعرنا القدير، وهل الكتابة الا ميلادٌ وموت وبين دفتي الكتاب قصتنا. الكتابة حياة، لا تلبث إلا أن تغري كل قلبٍ حر أن يحياها بكل تفاصيلها. أعيدوا للقلم قدسيته، فمنصة الكتابة أشرف من أن يُتخذ منها مآرب أخرى مزيفة.. كاذبة! الوصالي: تكثر هذه الحالة بالشعر الشعبي دمتم ودام الوطن شامخاً. أما القاص والكاتب الأستاذ عبدالله الوصالي فيختتم هذا الاستطلاع بهذه الرؤية حيث ذكر: الدوبلير الادبي مصطلح مأخوذ من الفن السينمائي، قد يكون استخدامنا له هذا المحور غير دقيق فالدوبلير في حيث نشأ في السينما يعني ذلك الشخص ذا القدرات الجسدية التي قد تشبه الممثل الحقيقي لكنه يفوقه في المهارة الجسدية غالباً ويستخدم في المواقف شديدة الخطورة، لكننا في السياق الأدبي نقصد به تلك الشخصية المبدعة المختبئة في الظل بينما تقدم خدماتها وإبداعها لأي سبب ليبدو وكأنه من إنتاج الآخرين. تبدو هذه الحالة أكثر وضوحاً لدى الشعراء الشعبيين، والذين تجرأوا في منتدياتهم على إعلان سوق نخاسة للشعر الشعبي، دون خجل فيبيع هذا من قصائده لذلك الوجيه ويضع ذلك الوجيه اسمه عليها دون تردد. في الأدب والذي هو رونق أخاذ لا يعف عن الانتساب إليه أحد إذا وسعه ذلك، نرى البعض رغم أن لديهم الكثير من المواهب الحياتية إلا أنهم يزاحمون بالأكتاف المبدعين وأحياناً تجد ذلك المبدع البسيط ومن أجل قوت يومه ينزوي في الظل ويستغني عن منجزه الأدبي ويعمل مجرد مقوم وحتى محرر للآخر ذي الجاه أو السلطان. وسيظل هذا الوضع يتكرر إلا أن يتغير وعي المجتمع الثقافي بحقيقة الإبداع والمبدعين مع وضع برامج على مستوى الدولة للأخذ بأيدي المبدعين وسد حاجاتهم المادية الأساسية جدير بأن يحجَم هذا الوضع إلى أقصى مدى.