أبدى الشاعر والناقد اللبناني بول شاوول في حوار أجرته معه مجلة (نزوى) مؤخراً عدم اتفاقه مع مضمون مقولة بعض الشعراء: "أكتبُ كل يوم كما أتنفس"، ويأتي رفضه لهذا التعبير الذي يتكرر على ألسنة الشعراء لأن الشعر - كما يراه - مشروع طويل يحتاج للنضج حتى يُحقق غايته، ويوضح رأيه قائلاً: "الشعر فن صعب، والقصيدة عندي مشروع قد يستمر إلى سنوات ... مشروع كتابة قصيدة بالنسبة لي مشروع داخلي، ومشروع لغوي، وقائم على فعل التجريب، بهذا المعنى المسألة ليست سهلة كما يظن البعض. أسهل شيء على الشاعر أن يقلد نفسه ولو كنت أقلد نفسي كما يفعل الكثير من الشعراء، لكان عندي اليوم خمسون ديوانًا. لأن الكتابة وفق الكتابة السابقة أمر سهل جدًا، ومفاتيحها متوفرة، كمن يكتشف طريقًا ويسلكه إلى الأبد". وكلام شاوول عن صعوبة الشعر كلام رائع لأنه يلفت الانتباه إلى مسألة مهمة قد لا ينتبه إليها كثير من الشعراء. إذ يُنبه بول شاوول إلى مسألة عدم جواز التعامل مع الشعر على أنه مادة استهلاكية ينبغي إنتاجها بشكل مستمر، وأن الشعر لم يكن في يوم من الأيام سلعة أو وسيلة لتحقيق الأرباح المادية الضخمة للشاعر كما هو حال الرواية التي دخلت دورة الاستهلاك، وضرب أمثلة لشعراء كبار لم يكن يوزع من دواوينهم إلا نسخ قليلة ولا تكاد مبيعات أفضلها تتجاوز الثلاثمائة نسخة ما عدا استثناءات نادرة جدًا، ودائماً ما تكون دواوين الشعر خارج قائمة الكتب "الأكثر مبيعًا" التي ينافس فيها الروائيون بقوة. إذن فإسراف الشاعر في كتابة قصائد كثيرة مُتشابهة لا تقدمه أي خطوة إلى الأمام، أو احتذاء تجارب الشعراء الرواد والسير على نهجهم في نظم القصيدة، أو كتابة القصيدة بغية إرضاء جهات مُعينة أو لتحقيق مكاسب مادية، كلها مظاهر من مظاهر استهلاك الشعر ومحاولة تسليعه تبرز بوضوح في تجارب كثير من الشعراء، مع أن الشعر الحقيقي لا يمكن أن يكون خاضعًا لمنطق السوق أو لقانون العرض والطلب. أخيرًا يقول مشعل بن تركي: سيّد الحزن ما بلقى لقلبي بديل هاك حبّك وعطني ضحكتي وارتحل كيف تبغاني أنسى وأنت عابر سبيل حط حبه أمانه بالضلوع ورحل؟!