آلت أكبر قارات العالم إلى القوميّين، ففي آسيا التي يقطنها أكبر التجمعات السكانية والتي تحتضن أقدم الحضارات البشرية وأكثرها تأثيراً وانتشاراً، قَُدر لأهم أربع دول فيها هي الصينوالهندواليابانوكوريا الجنوبية أن يعتلي الكرسي الأول فيها شخصيات تنتمي إلى أحزاب قومية محافظة، ولعل آخرها هو فوز ناريندرا مودي الزعيم القومي الهندوسي المنتمي لأكثر الأحزاب الهندية إثارة للجدل وهو حزب "بهاراتيا جاناتا" الذي تورط في حوادث عنصرية عدة واصطدم كثيراً مع المسلمين في الهند، كما أن الصين اختارت لقيادتها الرئيس تشّي جين بينغ الملقب بالأمير الأحمر، والقادم من خلفية "ماوية"، إذ إن والده تشّي زونغ شون أحد الثوريين النخبويين من رفاق ماوتسي تونج، أما اليابان فقد أعادت الكَرة بانتخاب شينزو آبي الذي يصنف بأنه من "الصقور" القوميين وهو حفيد رئيس الوزراء ووزير الخارجية الياباني الأسبق كيشي نوبوسوكي، الذي يحضر اسمه عند الحديث عن جرائم الحرب بحق الصينيين، وفي كوريا الجنوبية اعتلت السيدة بارك غيون هيه ورئيسة حزب "الحدود الجديد" المحافظ وهي ابنة الدكتاتور العسكري بارك تشيونغ هيه الذي اتسمت بفترته الرئاسية بالحزم والصرامة وتقييد الحريات. ما سبب صعود تلك القوى المحافظة القومية في تلك المنطقة، في هذه اللحظة التي تشهد زخماً وحضوراً اقتصادياً مؤثراً لتلك البلدان على المستوى الدولي؟ في الواقع أن التوجه القومي والانغلاقي هو توجه عالمي يمكن مشاهدته في التمترس خلف الإثنيات أو التعصب لمذهب أو دين، خصوصاً في تلك الدول التي يشكل الدين جزءاً من هويتها مثل الدول العربية والشعوب الهندوأوروبية. وهذا التوجه من شأنه الإضرار أو التأثير بشكل كبير على سياسة تلك الدول. إن تأثير صعود تلك النخبة السياسية الآسيوية أصبحنا نراه رأي العين، فالصراع في بحر الصين الجنوبي والمشاحنات، التي تقودها كل من بكين وطوكيو تجاه بعضهما هي نتاج وصول القوميين المحافظين إلى سدة الحكم والرئاسة في الدول الأربع، والخشية أن يؤدي وصول ناريندرا مودي إلى كرسي الوزارة الأول في الهند إلى قيادته أعمالا استفزازية، تجاه الجار اللدود باكستان، التي حافظت ونيودلهي خلال العقد الماضي على أعلى درجات ضبط النفس، حتى بعد تعرض بومباي للتفجيرات التي اتهم فيها تنظيم "عسكر طيبة"، وبين هذا وذاك فإن أراد مودي لعب دور زعيم الحزب فسيقود بلاده بلا شك إلى التوتر مع باكستان، خصوصاً أن الهند تستعد لحضور غير عادي في الباحة الخلفية لإسلام آباد، وأعني هنا أفغانستان التي يرحل عنها الحلف الأطلسي والقوات الأميركية، تاركين وراءهم فراغاً سياسياً كبيراً وبلداً تنازعته الامم في القديم والحديث. إن اندفاع القيادات الآسيوية وراء الجماهير يمكن أن يقذف بالمنجز التنموي المذهل لآسيا نحو المجهول، خصوصاً أن لكل بلد من تلك البلدان خصومة هي في أساسها ذات طابع قومي، فالصينواليابان بينهما مشكلة الجزر، وكوريا الجنوبية والشمالية والحرب التي لم تنته بينهما، والهندوباكستان وصراع الحدود الأزلي. إن الرهان على القرن الحالي بأنه قرن آسيا بامتياز تحده مخاطر النزاعات القومية والعرقية والتدخلات الدولية إلا إذا غلبت حكمة الشرق ضلال الماضي.