وأعني بذلك ما يثير الاعجاب لدى الشاعر من قصائد غيره، فينظم على غرارها وزناً وقافية وموضوعاً، مضيفاً معاني لم ترد عند سابقه أو منتقداً أو معززاً للمعاني التي طرقها سابقه أو محاكاة له أو مما يحسب من النقائض أو المجاراة الشعرية. ومن أكثر القصائد تناولاً قصيدة الشريف بركات التي يوصي فيها ابنه ببعض القيم التي يتمنى أن يأخذ الابن بها. وقصيدة بديوي الوقداني في الليالي والأيام وقصيدة السبيعي في المقناص. ولعلي أتناول اليوم بعض قصائد الصيد أو المقناص كما يحلو لعشاق البراري تسميته. يذكر صاحب قطوف الأزهار عبدالله بن دهيمش بن عبار العنزي أن الروايات في الشعر الشعبي تختلف نسبتها من راوية لآخر، وذلك لاعتمادها على النقل الشفهي وبعد المسافة الزمنية بين إنشائها وروايتها، ويشير إلى أن مضمون هذه القصائد ناتج عن توارد خواطر شعرائها، واعتقد أن استدراكات الشعراء أكثر سبباً لابداعها أو انها المحاكاة. وقصائد الصيد تحكي عن تجربة الشاعر ومعاناته في الطراد وتعرضه للعطش والضياع وجودة وسائل المطاردة من حيوان أو سيارات أو مشي على الأقدام أو انتظار لدى مورد بري أو مراتع جبلية أو صحراوية. ثم وصف السلاح المستخدم واتقان الرماية. وأشعار الطراد والصيد في الشعر العربي كثيرة لاعتماد العربي في بيدائه على الصيد والمباهاة بالتميز في هواية الرماية والصيد والجلد والصبر والحذق مما يتميز به عشاق الصيد. ومن أشهر قصائد الصيد قصيدة للشاعر فالح السبيعي مطلعها: قم يا نديبي ترحّل فوق مرما لي من فوق منجوبةٍ شيب محاقبها لا روّحت لا مذارعها تهو بالي لكن يديها تمزّع من ترايبها فيها من الربد مهذال وزرفالي منكوسة الزور ما يلحق شواذبها وصف للراحلة (الذلول). أما أداة الصيد (البندق) فيصفها قائلاً: ولي بندق رميها يغدي غثا بالي ومخضب عقبها من كف صاحبها مطرق فرنجي رباعي مالها اشكالِ يكودني طولها لا جيت ازهبها يا بندق.... يا اللي ما لها امثالِ اللي لياجت ليالي الصيف اعج بْها كم فرّحت بالخلا من صدر زمالي وكم سرحة دورت منها ربايبها يا زين طردي بها غزلان الاسهالِ والتيس دمّه يثوّع من مضاربها هذه البندق التي تشفي الغليل، تظهر عناية صاحبها بها ومهارته في الصيد. ثم تحدد أيام الصيد بموسم الصيف حيث تدنو الطرائد من السهول التماساً للمرعى والماء وظلال الأشجار. أما الشاعر فراج القحطاني فمجاراته للقصيدة السابقة تضمنت إشادة بقومه إذ كان جاليا فتذكر جماعته ووجد في قصيدة السبيعي الشهيرة مدخلاً مؤثراً لمحو أسباب جلائه، فإذا ما ذكرت قصيدة السبيعي في مجلس تداعت معاني قصيدة القحطاني «والشيء بالشيء يذكر»، والعربي مشوق إلى سماع أمجاد قومه وقد تمحو قصيدة الشاعر أثر زلاته وترد له اعتباره وهذا ما عناه الشاعر في أبياته، وقد أبدع الشاعر في الاستهلال: قال ابن ريفه بدا بالمرقب العالي واخيل مزنا من المنشا يهل بها وانا ورا الطارفة ماني بكسالى واخاف من خبرة باحت مزاهبها ويمضي في مقدمة جميلة فيها فخر بقومه الذين غادرهم مرغما، وها هو يلتمس العودة إليهم بقوله مخاطبا شيخ القبيلة ابن شفلوت قائلاً: ملفاك من يلبسون الجوخ والشالِ ربعي ودرعي وضد اللي يحاربها ملفاك شيخ القبيلة ذرب الافعالِ عند ابن شفلوت يا المندوب قربها قل له عَلَيْ طالت المدة وانا جالي عشر سنين مضت باعداد مقطبها وبعد استعطاف مؤثر وجميل ينتقل إلى الصيد وأدواته: لي بندق ما صنعها الصانع التالي من دقت الميرت نحَّال مقاضبها في يدي قرار تكف الجمع لا انهالِ طويلة ناحل مقضب خشايبها يا ما حلا صوتها بالمردم الخالي في قنّة الحيد والحدبا تجاذبها وياما حلا ضربها في جزل الاوعالِ أبو حنيّة كبير الراس شايبها ذبحت عشرة بها والظل ما مالِ والحادية روّحت تثلع مضاربها عط الطويلة عريب الجد والخالِ ولد الردي لا تخلونه يزول بها بن عبار استخدام القصائد الجيدة الشهيرة التي تردد في المجالس تحلو مجاراتها لانها تذكر بالفضائل وتدعو للتأمل وتبلغ مقاصدها. وشاعر ثالث هو العطيفي الولدعي من عنزة أبدع قصيدة جارى فيها القصيدتين السابقتين غنى مطلق الذيابي رحمه الله أبياتا منها ومطلع القصيدة: قال العطيفي رقى في روس الاقذالِ با على المراقيب تومي به هبايبها ومنها: يا الله انا طالبك حمرا هوى بالي لا روّح الجيش طفّاح جنايبها لا روح الجيش حاديه اشهب اللالي لا هي تورّد وسيع صدر راكبها لا روحت مع سباريت الخلا الخالي كن الذيابه تنهّش من جوانبها اللي على كورها واللي بالاحبالِ واللي على المردفة واللي بغاربها تشدا هنوفٍ غنوجٍ شافت الغالي والا طموح مهاويها يلاعبها ثم ينتقل من وصف الذلول إلى وصف البندق الاداة الثانية في الطراد: ولي بندق رميها ماضٍ له افعالِ ومخضب عقبها من لفظ شاربها عدل نظرها وحيدة كنّها ريالِ كنّ الحيايا تلوّى مع مقاضبها بشرتهم بالعشا من عقب مقيالِ والقايدة مع مرد الكوع ضاربها ويبدو أن شاعراً آخر اسمه نخيلان جارى الشاعرين لم يعثر على قصيدته وقد جاراه فيها الشاعر خلف الجميلي: نخيلان هيّضتني في بدع الامثالِ قل يا عشيرك ترى القيفان ناجبها لي بندق جبتها شفّي وتزها لي يا الله يا اللي عطيته لا تشح بْها مزيّنٍ ديكها عن خملة القالِ واجلس عليها لحين القمع اشببها لا جن مثل الحيا به دق وجلالِ أطمن براسي وانا اعاين غواربها أقلط للأول الياما يلحق التالي والقايدة مع مجل الضلع صالبها والوف قدامها لا صابها اجفالِ لا جت تشفَّع وحس الرمي راعبها تبشروا بالعشا من عقب مرحالِ يوم التفافيق تتبعها جنايبها لن أذهب إلى نقد القصائد فقد يشوبها النقل الشفهي. ولكن ابن عبار جدير بالتقدير على ما أجمل في كتابه من موضوعات عديدة يقدم بها ألوانا من ثقافة الصحراء. ومعذرة عن الاستعجال في الطرح.