البحث العلمي لا يمكن أن تقوم له قائمة بدون دعم سخي تنفق فيه ملايين الريالات دون التوقع بأن يكون لهذا البحث مردود في المدى المنظور. مُخطئون من يظنون أن البحث العلمي تجنى ثماره سريعاً كما لو كان زرعة سريعة النمو وسريعة الإثمار، فمن خصائص البحث العلمي أنه يحتاج نفسا طويلا وصبرا اطول واستثمارات هائلة ينتظر أن تجني ثمار هذه الاسثمارات على مدى أعوام تطول وتقصر، ولكن سوف تجني هذه الثمار ولاسيما إذا كان هناك خطط إستراتيجية يتم من خلالها الإنفاق على البحوث العلمية التى تنقسم الى قسمين على حد معرفتي. فالبحوث العلمية إما تطبيقية أو اساسية، والنوع الأخير هو الذي يتطلب الاستثمار بعيد المدي. فالبحث العلمي في المملكة العربية السعودية أمامه مشوار طويل جداً حتى نبدأ بجني ثماره ولكني متقائل جداً وما يدعوني للتفاؤل هو أن البحث العلمي يدعم في معظمه من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من خلال برامج عدة أهمها برنامج البايوتكنولوجي - وإن كان برنامج المنح البحثية بأنواعه المختلفة لا يقل اهمية عن سابقه. وما يعجبني في المدينة وهو حسن صنيع يجب أن نشكر القائمين عليه الا هو التعاطي مع الباحثين كشركاء وهذا واضح من خلال تجربتي الشخصية (والتي امتدت على قرابة عقد من الزمن تقريبا) معهم من الزمن تثبت ذلك، فمسؤولو المدينة يسمعون لنا ويتلمسون احتياجاتنا ويطالبوننا بمرئياتنا حول الأوليات البحثية التي يجب أن تقدم وتدعم اولاً. والصنيع الجميل الثاني هو أن المسؤولين بالمدينة يمتازون بدينامكية خلاقة لا حدود لها. فالمسؤولون يتحسسون ما يحتاجه الوطن ويولونه بجل اهتمامهم. وعلى سبيل المثال لا الحصر هو ما نراه من دعم سخي لأبحاث فيروس كورونا الشرق اوسطي الجديد الذى راح ضحية له العشرات من الأشخاص حتى الان. وقبل هذا أولت المدينة اهتماماً بالغاً بأمراض اخرى تفشت هنا في المملكة العربية السعودية. وحسن الصنيع الثالث أن المدينة تسير ضمن خطط تنموية مدروسة تستهدف نقل التقنية والتدريب والتطوير ومن ثم الانتقال بالمملكة من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد المعرفي. وبخبرتي الشخصية والتي كما اسلفت امتدت قرابة 10 سنوات يجعلني انحني احتراماً وإجلالا لكل العاملين بالمدينة دون تسمية شخص بعينه أو إدارة بعينها فكل العاملين بالمدينة يقابلوننا بالوجه البشوش والمعاملة الراقية والوقوف بجانب الباحث عند مواجهته الصعاب وفوق هذا وذاك هم يلتقون بالباحث ويمدون له يد العون طالما هو يحاول افضل ما لديه. والدعم السخي الذي حصلنا عليه لأبحاث عديدة انجزت في ظني انها كشفت عن حقائق مهمة كانت إلى عهد قريب إما مجهولة أو مغلوطة ومن هذه الحقائق هو مستوى مقاومة جرثومة الدرن للعلاج بالمملكة. فكل الدراسات التي سبقت دراستنا كان البعض يشير إلى نسب عالية تصل في بعض الأحيان إلى 44%- بينما دراستنا والتي دعمتها المدينة كانت شاملة وكاملة وانجزت بشراكة بين التخصصي ووزارة الصحة "وهنا يجب عليّ ان اشكر سعادة الدكتور زياد ميميش الذي دعم هذه الدراسة بكل صلاحياته فله الشكر الجزيل"، أوضحت أن نسبة المقاومة لا تتجاوز 5% فقط.. ومن الدراسات التي دعمتها المدينة أيضاً هو مشروع دراسة التنوع السلالي لجرثومة الدرن ونتائج هذا المشروع اوضحت بجلاء وجود سلالات متعددة منها ما هو مستورد ومنها ما هو اصلي مستوطن في بلادنا. واتوقع أن تستمر المدينة في دعمها حتى نتمكن من تقصي هذه السلالات ونسبر اغوارها لانه اصبح من المعلوم لدى الباحثين ان لكل سلالة خصائص تميزها عن السلالات الأخرى وقد تؤدي خصائص كل سلالة في نهاية المطاف الى الطب الشخصي- بمعنى ان الشخص المصاب بسلالة أ يختلف علاجه عن الشخص المصاب بالسلالة ب. نعم المدينة دعمت هذه المشاريع ومشاريع اخرى هي الآن قيد التنفيذ بالشراكة المستدامة مع وزارة الصحة ممثلة بسعادة الدكتور زياد ميمش وفريقة العلمي-حيث اننا الان نتجه لدراسات المتفطرات غير السُلية لظهورها كتحد جديد علينا. والدرن أو السل يأتي كأولوية قصوى بالنسبة للمدينة لمعرفتها انه احد معوقات التنمية حيث كشفت احدى دراساتنا انه يصيب الفئة العمرية المنتجة، اي يصيب الأعمار بين 20 – 60 سنة. وبما أن المدينة إحدى اهم استراتيجايتها هو الاقتصاد المعرفي الذي يعتمد على الشباب فهي تدعم مشاريع الدرن بسخاء منقطع النظير ولا اخفيكم سراً بأن مبالغ الدعم حتى الان قاربت ال 10 ملايين ريال نفع الله بها الوطن وأبعد عنه كل مكروه. وفق الله المدينة والقائمين عليها لما يحب ويرضى.