عندما يثار موضوع "الأخلاق" في مجال الوظيفة، فهو نتاج انحراف سلوكي طرأ على الموظف بشكل خاص أو على المنظمة برمتها، ولذلك فهو ليس أساساً فيها، فالأصل أن شغل الوظيفة يعتمد على توافر عدد من السمات خلاف الكفاءة والقدرة، فأمانة الشخص وتقديره للمسؤولية من أهم العناصر التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند اختيار من يشغل هذه الوظيفة أو تلك. ربما يكون الشخص قد نشأ تنشئة جيدة، وتربى على أخلاق فاضلة، لكن تقديره للمسؤولية قد يكتنفه بعض الضعف والقصور، فيسيء لنفسه من حيث لا يدري، أو قد يجلب له الشبهة عن غير قصد. من أجل ذلك؛ رأيت أن أتحدث هنا عن أخلاقيات الوظيفة كميثاق، وليست صفة ينعت بها الموظف. فالأخلاق في الوظيفة العامة تعني النزاهة والسمو والبعد عن الريبة، والموظف إن قل شأنه أو علا، يؤدي أدواراً ذات مساس بحاجات المستفيدين من خدمات الجهة التي يعمل بها، ولهذا فإن الإخلاص في تأدية الواجب الوظيفي، واحترام أوقات الدوام، وصيانة أسرار العمل، والمحافظة على ما تحت يده من أجهزة وأدوات؛ هي في طابعها العام "أمانة" كممارسة يومية، ولكنها في حقيقة الأمر "ميثاق أخلاقي" يجب على الموظف أن يتعاهد نفسه به التزاماً وتطبيقاً. وإذا أمعنا النظر في مدلول الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، ندرك تماماً ما ترمي إليه من أهداف سامية في تقويم سلوك الإنسان المسلم، وما ينبغي أن يكون عليه في تقدير المسؤولية وأداء الواجب على أكمل وجه، يقول المولى جل وعلا: (يا أيّها الّذين آمنوا أوْفوا بالْعقود)، ويقول سبحانه وتعالى في آية أخرى: (والّذين همْ لأماناتهمْ وعهْدهمْ راعون). وفي الحديث أن أبا ذر - رضي الله عنه - طلب من النبي صلّى الله عليه وسلّم - أنْ يستعمله في الولاية فضرب بيده على منكبه ثم قال: (يا أبا ذرّ، إنّك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلاّ من أخذها بحقّها وأدّى الذي عليه فيها). فاستشعار الأمانة الوظيفية مطلب، والاجتهاد في تأديتها بصورة تعكس الرغبة في الانجاز والإخلاص في الأداء يبعث على الطمأنينة، كما أن الخطأ والتقصير لا يعني الإخفاق؛ فذلك من سمة البشر، والكمال لله سبحانه وتعالى.