للشعراء هواجسهم المتفرّقة، فقد يكون للشاعر هاجس تجاه قضيّة أو حادثة معيّنة، وقد يكون له عدّة هواجس تجاه عدد من القضايا والأحداث، ولعل أكثر الأمور الوجدانية التي أرّقت الشعراء عبر الأزمان هو هاجس اللهفة للقاء، فيعبّرون عن ذلك عبر بثّ أحاسيسهم الوجدانية في أبيات من الشعر، وتكون تلك الأبيات أكثر إحساساً حين يكون للقاء خيبته، وفي هذا المضمار عبّر كثير من الشعراء عن تجاربهم تجاه خيبة اللقاء؛ إما من الحبيب أو بسبب عوامل الزمن التي حادث دون ذلك اللقاء. وحين نقف على هذه الفكرة، أي فكرة خيبة لهفة اللقاء من الحبيب؛ فإننا نتذكّر قول المتنبي -رحمه الله- في صباه: بأبي من وددته فافترقنا وقضى الله بعد ذاك اجتماعا وافترقنا حولاً فلما التقينا كان تسليمه عليّ وداعا ! وللأديب العراقي عبدالخالق الركابي قصيدة تدور في هذا المضمار، وكثير من المتابعين يعرفون بأن الركابي من أهمّ الروائيين العرب، ولكنهم يجهلون أنه بدأ حياته الأدبية شاعراً، وله العدد من القصائد التي لم تنشر مع ديوانه الأوّل المطبوع قبل أن يخوض مجال الرواية، قال الركابي معبّراً بصورة بديعة عن خيبة اللهفة للقاء: التقينا متأخرين: كل واحدٍ منّا يسحبُ سلالته خلفه .. وافترقنا مبكّرين: ما بذرناهُ لم ينبت قط ! وقد وصف الشيخ فهد الأحمد الجابر الصباح -رحمه الله- مدى التضحية التي يمكن أن يقدّمها الشخص والألم الذي يشعر به، وكيف يكون حجم اللهفة كذلك، فيشرحه عبر انسياب الأحساس، وفي هذا يقول: غيب وأنا أغيب ونشوف من هو اللّي يتأثر من هو يكون ملهوف للثاني أكثر مهما تصد والاّ تروح أدري أنا قلبك سموح وأدري على فراق مثلي ما تقدر هذا إنت وهذا أنا إذا تقدر على بعدي هذا إنت وهذا أنا إذا تقدر تحب بعدي روح ولف الدنيا كلها روح ودوّر بين أهلها المحبة اللّي في قلبي لا تظن تلقى مثلها نفس الشعور اللّي أحمله إنت يا روحي تحمله تزعل علي .. ترضى علي زعلك أنا أستحمله وأحبك الحب الأكيد هذي المحبّة بالفعل والاّ فلا ومن لهفات اللقاء التي تعقبها الخيبة، هو أن يصحب ذلك اللقاء شقاءً بسبب عوامل بشرية محضة تحول دون الهناء والصفاء الذي يجمع الأحبة، وللكويتي صالح عبدالله مدوه قصيدة تجاه هذا المعنى: لا خطاوينا وراها لقى وإن تلاقينا نتلاقى بشقى ولازم واحد فينا يضحي يقسى وينسى الذكرى ويمحي ومهما دمعي ودمعك هل بيدي وبيدك يبقى الحل إما بجرحك وإلى بحرحي لازم واحد فينا يضحي ما بقى بحبنا بعد شيّ عليه ينخاف يا أنت يا أنا من هو اللي فينا بيبتدي؟ خل نفتعل الفراق ونجرح الأشواق دام الحزن واحد أدري ترد تشتاق ومثلك أنا بأشتاق بس لازم نعاند ومهما دمعي ودمعك هل بيدي وبيدك يبقى الحل إمّا بجرحك وإلا بجرحي لازم واحد فينا يضحي لا لا تخاف حاول حبيبي ولا تخاف لا لا تخاف قرر حبيبي ولا تخاف ما بقى بحبنا بعد شيّ عليه ينخاف خل الحزن مرة يبدي ولو مرة باختياري وباختيارك وهناك الوصول للقاء بعد اللهفة، لكن الخيبة تكون في الوصول من أجل تذكر أيام طفولة الماضي البعيد والجميل، الذي انقضى ولن يأتِ، ولم يبق سوى وحشة المكان، وفي هذا قال فاضل الغشم: جيت المكان اللي به أحيان نلتقي كنّا به صغارٍ وهذي علايمه وأشجار حوش البيت يلعب بها الهوا نوبٍ يفرّقها ونوبٍ يلايمه ! ومثل هذه الحالة ، قول محمد العجيمي: لوغبت في قلبي إلى الموت موجود طيفك معي في نزلتي وارتحالي أقبلت مثل اللي يبشر بمولود واقفيت مثل اللي يعزى بغالي! الركابي الغشم