الحب هو تاريخ المرأة وليس إلا حدثاً عابراً في حياة الرجل، الرجل يحب ليسعد ويستمتع - وقد يتعذب، والمرأة تحيا لتحب.. والحياة ليست مجرد الوجود الباهت.. الحب بالنسبة للمرأة هو الماء والطعام والاكسجين، يهمها أولاً أن تكون محبوبة، وثانياً أن تكون محبة، وقد عبرت عن ذلك امرأة أعرابية قيل لها بعد زواجها بأسبوع: - هل أحببتِ زوجكِ؟ كم يغتني الإنسان حين يلتقي هناك من يحبه.. كم يغتني! فقالت: - المهم أن يحبني هو!.. ذلك بأن شعور المرأة أنها محبوبة يسعدها بشكل مطلق، لكن شعورها بأنها محبوبة من الرجل الذي تحبه يجعلها تحلِّق: إن هذا الحبَّ لي أقرب من حبل الوتين وله فيض حناني وله فرط حنيني ومع ذلك تعودت المرأة، على مرِّ السنين، ألا تبوح بشوقها للحب، وألا تظهر ما يفور في قلبها من فرط الحنين.. ولذلك أسباب عميقة من طبيعة المرأة التي تريد - رغم كل شيء - أن تكون مطلوبة لا طالبة، ومن تراكمات الضغط الاجتماعي الذي غرس في عقلها الواعي وغير الواعي أنه من (العيب) أن تظهر الحب.. لذلك تلجأ معظم البنات لأحلام اليقظة تسافر بها إلى ما تريد وتحقق بها ما تريد دون أن يرى أحد أو يدري بشر.. الشعر وحده يفضح بعض العواطف، وينقلها من الداخل إلى الخارج، يجسدها.. يصورها.. وإن كان أكثر شعر المرأة العاشقة ضاع مع دموعها وربما دمائها في متاهات الصحراء وقبور النفود.. في العصر الحديث خفّ الضغط الاجتماعي على المرأة قليلاً، وتجرأت بعض الشاعرات على البوح بالحب، بل وحتى على التغزل بالحبيب والتذلل له.. تقول الشاعرة العراقية عاتكة: الموت إلا يوم غدركْ والنار إلا نار هجرك يا سيدي هذي فتاتك تشتكي لذعات حرّك رحماك هذي طفلة أولى بعطفك أو ببرك يا سيدي كيف السبيل إلى سلوك أو لهجرك؟ إن كنت تذنب سيدي فالقلب يأبى غير عذرك كن من تشاء فإنني لك ما حييتُ ولا لغيرك! وبعض النقاد يعيبون عليها هذا التذلل في الحب والتدله المعلن بالحبيب ويرون أن الرجل هو الذي يحسن به أن يفعل ذلك.. إنهم يُنكرون الحقيقة.. لماذا؟ لأن الحقيقة عارية كأسلاك الكهرباء من يستطيع لمسها؟ وسعاد الصباح تصدح بحبها وكأنه جزء من روحها ذاتب فيها وذابت فيه: مولاي إن جاءك هذا الخطاب أوراقه من شوق روحي لباب حروفه من ذوب قلبي المُذاب فلا تكن من لهفتي في ارتياب مولاي! قلبي في انتظار الجواب! وتقول: يا حبيبي إن قلبي ليس يعصي لك أمراً كلما هيأت لي تضحية هيأت لك عشرا لو طلبت الشمس والزهرة الأنجم طرا لترامت حول أقدامك بالفرحة سكرى مُر تجدني أجعل الليل إذا ما شئت فجرا والخريف الجهم نيساناً وألواناً وبشرى وتغوص فدوى طوقان في قصتها مع الحب لتجدها جزءاً من تاريخها وجلدها: تحبني؟.. تاريخها عندي قديم قبلك من سنين من سنين نشدتها.. بحثت عنها في طفولتي عطشى إلى محبة الكبار.. نشدتها إذ كنت طفلة حزينة مع الصغار..» «وحين فتحت براعمي وأمرع الصِّبا وضمّخ الجواء بالعبير.. عرفتها في شعر (عروة) الحزين وفي رؤى (جميل) كم هزني تدفق الشعور في قلوبهم! كم عشت حبّهم حنينهم عذابهم كم قال لي قلبي الحزين: ما أسعد الأحباب رغم ما يكابدون كم يغتني الإنسان حين يلتقي هناك من يحبه.. كم يغتني! ولم يكن هناك من يحبني)! خاتمة موجعة!! ويمتزج الحبيب مع موطن الحب الذي شهد ميلاده، كما يمتزج العطر مع الورد حين يتفتح عن أكمامه في شعر (أغاريد السعودية) التي يبدو أن حبيبها يريد أن يسافر في بعثة ويترك الحبيبة والوطن ومراتع الصبا ومرابع السعادة: يا حبي اللي من سما نجد غطّاك سحايب زرقا وصدر حنوني فيها ربيت ومنها اصلك ومنشاك غطّتك نجد بضافيات الردوني يا نجد قلبي لك حبيب ويهواك كم عشت بك من خافيات الشجون يا اللي رعيتنا عسى الله يرعاك ويسقي ثراك من الحيا والمزوني يا قلبي لا تبعد عن الدار بخطاك خلك قريب من مضنة عيوني عش وسط نجد اللي بها ايام مرباك ايام والله غاليه ما تهوني في وسطها شوقك وحبك ونجواك ربيعها لك يا فؤادي فتوني وفي أبيات أخرى لها تذكر أن الحب يرافقها في صباحها ومسائها في شخص الحبيب: ألا يا الله يا سامع ندايه نشدك القلب عطفك والرعايه تفرّج كربة حلت بروحي وتمحي الغيم عن صافي سمايه طرقني من عذاب الحب هاجس مرافقني صباحي مع مسايه عذاب حل في خافي ضميري وزود من عناي ومن شقايه إلى حل الظلام وطال ليالي سهرت مع النجوم بدون غايه أسامرها وأخبرها عن اللي جروحه ساطيه باقصى حشايه واناجيها بدمع من عيوني جرى غضب على ما هو هوايه تنثر مثل وبل في غمامه وبيّن كل سر في خفايه