هل زيادة أعداد خريجي التخصصات العلمية والهندسية كفيلة بحل مشكلة البطالة؟؟ اليوم نستعرض واقع التجربة الصينية ونسلط الضوء على هذا البلد الذي يخرج في عام واحد من المهندسين ما مجموعه يفوق أمريكا وأوروبا واليابان مجتمعين! ونبدأ من دراسة أجرتها الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية عام 2006م شملت 7061 عائلة حول أهم المشاكل التي تواجه المجتمع الصيني حيث احتلت مشكلة البطالة المرتبة الثانية. وفي كتاب «قبيلة النمل 2» يناقش عالم الاجتماع الصيني ليان سي قضايا شباب بلاده من حملة الشهادات الجامعية والذين يعيشون أوضاعاً مأساوية في ضواحي المدن الصينية الكبرى إما بسبب البطالة أو لعملهم بأجور زهيدة قد تصل إلى ما يقارب 220 دولاراً أمريكياً فقط شهرياً لخريج بكالوريوس في تخصص علمي من جامعات صينية مرموقة في التصنيفات العالمية. ونتيجة لذلك تضطر أعداد كبيرة من هؤلاء الشباب للعيش سوية في حجرات ضيقة بشكل يشبه قبائل النمل حسب وصف العالم الصيني. وبلغة الأرقام فقد ارتفعت نسبة الشباب العاطلين عن العامل أو العاملين بأجور زهيدة للغاية والمتخرجين من تخصصات العلوم والهندسة من 52% عام 2009م إلى 58.6% عام 2010م. ويعرض الكتاب في الفصل الخامس دراسة عن الواقع التعليمي لقبائل النمل من الشباب الصيني حيث أظهرت النتائج أن نسبة الخريجين من الجامعات الصينية الرائدة التي تم اختيارها في (برنامج 211) قد وصلت إلى 28.9% عام 2010م وارتفعت نسبة خريجي الجامعات الصينية عموماً في قبائل النمل في نفس العام إلى 49.8%. أما الخريجون بشهادات الدراسات العليا (ماجستير ودكتوراه) فقد ارتفعت نسبتهم في قبائل النمل من 1.6% عام 2009م إلى 7.2% عام 2010م. ويعلق ديكستر روبرت في مقالة بمجلة البيزنس ويك عام 2010م على مشكلة البطالة لدى خريجي الجامعات الصينية بأن الأنظمة التعليمية في الجامعات لا تخرج شبابا مؤهلين مزودين بالمهارات التي يحتاجها سوق العمل وفي نفس الوقت فإن الأعداد الكبيرة للخريجين تسهم في خفض الأجور المقدمة من أصحاب العمل والشركات. ولاشك أن الصين حققت منجزات تنموية وقدمت تجربة متميزة في مجال النهضة الصناعية والتقنية. ولا يمكن أن تقارن دولة تضم ما يزيد على المليار نسمة في سياساتها ونجاحاتها وتحدياتها بدول أخرى لا تتعدى فيها أعداد السكان عشرة ملايين. ومع هذا فيمكن القول بأن أحد أهم الدروس المستفادة من التجربة الصينية في موضوع اليوم بأنه ليس بافتتاح الجامعات وزيادة خريجي التخصصات العلمية والهندسية وحدها تحل مشكلة البطالة. بل إن هذه المبالغ لو صرفت في معاهد فنية، رفيعة المستوى، واستثمارات صناعية لخلق فرص عمل لربما كانت أكثر جدوى في حالة الصين. وبالمقابل فالتأهيل المبالغ فيه استثمار في غير محله وقد تكون له مضاعفات خطيرة إن لم يرتبط باحتياجات سوق العمل. وأستشهد بمقولة الخبير الأكاديمي في جامعة سنغافورة الوطنية راندال أونج :»أخطر التغييرات الاجتماعية يحدثها العاطلون عن العمل من حملة الشهادات العليا!». وأخيراً، فنجد الكثير من المفكرين يحلو لهم إلقاء اللوم على المخرجات التعليمية في بلادنا والعالم العربي واختصار مشكلة البطالة في الجامعات والمعاهد الفنية وحدها. ولا شك أن لهذه المؤسسات التعليمية دوراً كبيراً ومحورياً! ولكن يجب ألا ننسى أطراف المعادلة الأخرى. فهنالك حاجة لتطوير منظومة صناعية واقتصادية تستوعب هؤلاء الخريجين بتعاون جميع مؤسسات الدولة والقطاعات الخاصة لمواجهة خطر البطالة. ونختم بمقولة برين ساندوفال حاكم ولاية نيفادا الأمريكية :»علاج البطالة ليس في زيادة الإنفاق الحكومي بل في مساعدة الشركات لخلق فرص العمل!».