نظن أننا كائنات متفوقة؛ فالبشر صنعوا حضارات وحطموا حضارات وافتعلوا حروباً تدمر وطوروا تقنية تبني! هذا الإنسان بكل تفوقه العقلي والعلمي لا يزال يجهل الكثير ولا زال أمامه كثير من المعضلات العلمية التي تحتاج لحل وبحث. لذلك حين تسخر بلايين الدولارات لدعم البحث العلمي فإن ذلك ليس بالمبلغ الكبير قياساً بما يمكن أن تصل له هذه الأبحاث ومخرجاتها. لو أمسكت بأي قاموس طبي لوجدت قائمة طويلة من الأمراض المختلفة المفهرسة حسب مسبباتها أو طريقة الإصابة بها أو العضو الذي تؤثر عليه هذه الأمراض تختلف طريقة تشخيصها وكذلك طريقة علاجها حسب أعراض المرض ومسبباته وخطورته. تطوير أي علاج يمر بخطوات كثيرة أساسها التعرف على السبب ومعرفة خصائص المرض، مثلاً زراعة لعينة بولية تحدد نوعية البكتريا التي سببت الالتهاب البولي وبالتالي نوعية المضاد الحيوي الذي يمكن للمريض استخدامه بوصفة طبية. لكن صناعة هذا المضاد الحيوي وخروجه من حيز تجربة معملية إلى رفوف الصيدليات أو وصفة طبية ربما أخذت عشر سنوات على الأقل من التجارب المعملية وما قبل السريرية والتجارب السريرية وتجارب الأمان. توفير اللقاحات ضد الأمراض المعدية يمر بنفس البروتوكول العلمي والبحثي إن لم يكن بروتوكولاً أشد قساوة نظراً للاستخدام الواسع للقاحات مقارنة بالأدوية التي يستخدمها المريض فقط. فنحن هنا نتحدث عن إجراء وقائي، لذلك مثلاً يوجد لجان صحية رقابية على اللقاحات المستخدمة لتسجيل وتوثيق أي ردة فعل حيوية غير متوقعة من المستخدمين للقاح. إذن هناك نوع من الرقابة والتشديد عند توفير هذه اللقاحات للمستخدمين كما ان هناك مراقبة نوعية للتأكد من فعالية اللقاح وأمانه. كل هذا يحدث بعد أخذ الموافقة على صنع اللقاح وتوفيره فما بالكم بخطوات صناعته وتوفيره. لنفترض اننا نتعامل مع فيروس جديد نجهله لكنه يصيب الجسم ويضعفه لابد أولاً من عزل الفيروس ومعرفة خصائصه الوراثية والحيوية ومقارنته بقاعدة البيانات الموجودة لمعرفة سلالته وما إذا كان فيروساً متحوراً مثلاً، بعد ذلك تبدأ تجارب توفير اللقاح وهي تجارب معملية ثم سريرية وفي بعض الأحيان هناك تجارب خاصة تتعلق بالسن والفئات المصابة بأمراض مزمنة معينة لمعرفة إذا ما كان للقاح تأثير سلبي عليهم وذلك قبل أخذ الموافقة لتصنيعه بكميات كبيرة. كل هذا يحتاج لوقت فالتجارب المعملية ليست بسهولة كتابة مقال مثال هذا! بل هي تجارب معقدة تحتاج لوقت وجهد. هذا إذا كنا نتحدث عن فيروس جديد لكن ماذا لو كان تطويراً للقاح سابق مثل لقاحات الإنفلونزا مثلاً، حسب ما قرأت في صفحة منظمة الصحة العالمية في آحد منشوراتها قبل عدة أعوام، فإن لقاحاً مثل هذا قد يحتاج على الأقل ستة أشهر لتوفيره ولكن استخدامه يخضع للقوانين الصحية لكل بلد. كما أن اللقاح يخضع لاختبارات معينة للتأكد من تركيز المواد المنتجة فيه ومن انه معقم وغير ملوث. وهذه الخطوات المعتمدة بحثياً وطبياً خطوات مهمة لأننا نتعامل هنا مع أرواح بشر لا يمكن وضعها تحت خطر أعظم لدرء خطر آخر. تبدأ الخطوات بالتعرف على السلالة الفيروسية ثم تحضيرها معملياً بخلطها مع سلالة معملية وتنميتها في حاضنة حيوية لينتج ما يسمى بالفيروس المختلط والذي يحتوي على خصائص الفيروس المراد مقاومته بعد تطويعها معملياً ثم توثيقها والتأكد من صحة تحضيرها وهذا قد يتم في أكثر من مركز بحثي، هذه المراكز البحثية أيضا تقوم بتوفير كاشفات حيوية -إن صحت التسمية- لاختبار كمية الفيروس المنتج معملياً ومدى فعاليته قبل أن يبدأ التصنيع الفعلي، كل هذا يتم تحت مظلة بروتوكل رقابي معملي للتأكد من نتائج كل خطوة. في النهاية تصنيع دواء أو لقاح لا يتم بين يوم وليلة أو بدون مراقبة للجودة. لذلك فإن توعية أفراد المجتمع بهذه الأمور وهذه الخطوات مهم جداً يتناسب مع أهمية توعيتهم بطرق الوقاية أو خطوات تجنب العدوى أو التعامل مع المريض حتى لا يدفعهم الخوف أو الهلع إلى الوقوع ضحية لمدعين أو بائعي الوهم الذين قد يستغلون جهلهم وحاجتهم.