تحولت كثير من منازلنا إلى "قلاع محصنة" من سياجات الحديد الممتدة على ارتفاع الأسوار الشاهقة، يعلوها أسلاك شائكة، وشبابيك محكمة الغلق؛ بسبب عقدة "لا يكشفك جارك" والخوف من تسلل الحرامي، حيث شوهت تلك الممارسات منازل كانت مصممة على أحدث طراز "كلاسيك" أو "مودرن"، ولكن قناعة الخوف والعيب اجتمعتا في مكان واحد لتترك التفاصيل باهتة، ومخجلة، وربما أكثر من ذلك محبطة حين ترى "الحرامي" مع كل ذلك يتسلل إلى المنزل؛ لأننا أوحينا له من الخارج بأهمية البيت ومن فيه، أو أن وجود السياج كان أسهل في الصعود إلى الأعلى ثم الدخول بلا كلافة. وتتوقف كثير من تصاميم منازلنا على "لا يطب عليك حرامي ولا يكشفك جارك"، وهو ما حدّ من لمسات الجمال التي يفترض أن يكون عليها "بيت العمر"، فمثلاً حين يكون الشباك الزجاجي مفتوحاً من دون حديد، أو السور غير مرتفع، أو نوافذ الجار تكشف مدخل الفيلا والارتدادات؛ فإن القرار هو وضع "الساتر" ولكن لا نقدر احتياجه، ولا نعرف مكانه المناسب، ولا نتحرى الذوق في اختياره، ومن هنا تشوهت منازلنا، ولم يعد لنا سوى الفُرجة على واجهات لا تليق!. شبك حديد واعتبر "م.عبدالرحمن بن عبدالله النعيم" -مدير فرع الهيئة السعودية للمهندسين بالاحساء- أنّ رفع السياج أو وضع شبك من الحديد لمنع دخول الحرامي نوع من الخوف غير المبرر!، مضيفاً أنّه لا يمكن أن يحمي السور العالي أو الشبك الحديدي المنازل من اللصوص، فإذا كان هناك أشخاص متمرسون ونيتهم الإقدام على السرقة فإن ذلك لن يمنعهم، لافتاً إلى أنّ هناك بنوكاً تعرضت للسرقة رغم تحصيناتها الشديدة، مستدركاً أنّ شبك الحديد قد يحمي من سقوط الأطفال. وقال إنّ بعض النساء ترفض الانتقال لمنزل زوجها إذا لم يكن فيه شباك حديدية، معزياً ذلك إلى حالة نفسية تراكمية مع الزمن ربطت بين الشبك وحالة الأمن التي تشعر بها داخل منزلها، مطالباً المهندسين والمصممين بضرورة توعية أصحاب المنازل قبل البدء في التنفيذ، داعياً للإفادة من التقنية الحديثة لتصميم منازل وتحويلها إلى تحف معمارية، بدلاً من البحث عن تصاميم رخيصة للبيوت، وإغفال جوانب عديدة. الدفاع المدني يواجه صعوبة مع حديد النوافذ حل بديل وأضاف "م.النعيم" أنّ النظام الأمني التقني المتبع في محال الذهب هو الحل الأمثل للحفاظ على البيت من السرقة، مشدداً على رفضه لوضع الشبك على النوافذ والأبواب، داعياً للإستعاضة عنها بنوافذ يفتح نصفها العلوي تحرزاً من سقوط الأطفال، مستشهداً بتكرار حوادث الحرائق المفجعة التي شهدتها مناطق المملكة، منوهاً بضرورة استيراد الأنظمة الأمنية رخيصة الثمن التي تشجع الناس على تركيبها في المنازل، حتى تكون بديلة عن تحويل البيوت لثكنات من الحديد والخرسانة، مطالباً بإعداد حملات توعية للمواطن حول كيفية معالجة نوافذ الأدوار العليا، بمشاركة جمعية المهندسين والدفاع المدني وبقية الجهات المعنية. وأشار إلى أنّه من المهم حث الآباء والأمهات على إبعاد أسرّة النوم عن النوافذ التي لا يوجد بها شبك، كما توجد خيارات أخرى من وضع أقواس، لافتاً إلى أنّ الشبابيك الحديدية على المنازل تعطي ساكنيها حالة من الشعور بأنّه داخل سجن، معتبراً أنّ المنزل وتصميمه يعكس الجانب الحضاري والثقافي لصاحبه، مؤكّداً على أهمية أن توجه بوصلة الحملة وجهود الجهات المهتمة بهذه الموضوع إلى ربات البيوت لإقناعهم بالأفكار التي ينوون توجيهها للمجتمع، حيث إنّ اقتناع ربة المنزل بالفكرة كفيل بإقناع الزوج، وبالتالي النجاح في تحقيق المبتغى. شبح الحرامي ورأى "م.اليسع عبدالله الشايب" -مهندس معماري- أنّ (70%) من أصحاب المنازل لديهم هاجس من تصميم وتنفيذ منازلهم، خصوصاً فيما يتعلق بالجوانب الأمنية والاحترازية، موضحاً أنّه يمكن أن يكون ذلك بطرق مختلفة ومتطورة، حيث يضع صاحب المنزل كاميرات بديلة عن السياج الحديد و"الهنجر"، إذ يمكنه ذلك من ربطها مع أجهرة الجوال في حال دخول غريب للمنزل، كما يمكنه تركيبها بطريقة ألطف وأجمل من الشباك الحديدية، لافتاً إلى أنّ "شبح الحرامي" أوصل البعض لأن يحولوا منازلهم حتى أصبحت أشبه ما تكون بالسجن. وقال إنّ هذه الظاهرة منتشرة بشكل كبير في الأحياء الجديدة التي يسكنها عدد قليل، وكثير منهم لا يعرفون بعضهم، مشيراً إلى أنّ الكثير يركز على ارتفاع السور لأكثر من أربعة أمتار، رغم أنّ هذا لا يمنع من دخول الحرامي من خلال التجارب العديدة، إلاّ أنّ وجود نظام الإنذار يشكل مانعاً أقوى. التقنية أفضل من «الساتر» في توفير الحماية وأضاف أنّ الكلفة في تشطيب المنزل تزداد، وقد تصل إلى الضعف في حال ركز صاحب المنزل على الجوانب التي تمنع الحرامي، فيما وضع نوافذ وأبواب مزودة بوسائل الأمن توفر عليه الكثير وتضمن النواحي الأمنية، إلى جانب الأثر السلبي على الناحيتين الجمالية والفنية للمنازل التي يبالغ أصحابها في التحوط من الحرامي، حيث أنّها تسبب تلوثاً بصرياً لواجهة المنازل، بالإضافة إلى أثرها السلبي جداً على أمور السلامة، حيث تسببت في وفاة أناس كثر جراء احتجازهم داخل المنازل مع صعوبة استخراجهم منها، معتبراً أنّ المملكة تمتلك إرثاً فنياً كبيراً، فالروازن والمشربيات غاية في الجمال، داعياً للعودة إليها لإعادة الجمال لواجهة منازلنا. المخططات الجديدة وبيّن "إبراهيم بن صالح البقشي" -مصمم- أنّ تأثر تصميم المنازل بالخوف من اللصوص مقتصر -نوعاً ما- على المخططات الجديدة، والتي يكون بعضها في أطراف المدن، ويزيد لدى الذين يسكنون في بداية البناء في المخططات، فتجد البعض يضع السياج الحديدي على السور، مشدداً على انخفاض الأمر، وتغير نمط التفكير مع زيادة نسبة البناء، منوهاً بأنّ الأمر يزيد من التكلفة في التشطيب بما يصل إلى (4%). ثقافة الستر واعتبر "م.هشام فوزي شحاتة" -مهندس معماري- أنّ طبيعة المجتمع والخصوصية تفرض عليك تصميما معينا، حيث رفع السور مرتبط بثقافة المجتمع والحرص المبالغ في الستر، وعدم كشف تهوية المنازل، لافتاً إلى أنّه مع كل التطور الحاصل في تصميم المنازل، إلاّ أنّ فكرة الخوف من الحرامي وعدم كشف الجيران موجودة بشكل كبير في المجتمع، موضحاً أنّ وضع السياج الحديدي يحدث تشويهاً كبيراً للبيوت، التي بذل البعض عليها مبالغ كبيرة في الديكورات والتصاميم، وفي نهاية المطاف يدمر كل ذلك العمل الرائع والمبالغ التي خسرها بوضع سياج حديدي وشباك تحول المنزل من لوحة فنية إلى أشبه ما يكون بالسجن. أعراف وتقاليد وعزا "م.علي المطر" -مالك مكتب استشارات هندسية- انتشار وضع السياج الحديدي و"الهنجر" إلى طبيعة المجتمع المحافظ، وتشدد البعض لستر البيت، وميل البعض إلى الانغلاق بطريقة مبالغ فيها، منوهاً بأنّ المبالغة في وضع الشبك الحديدي منعاً للحرامي منتشرة بشكل واضح في المدن، لاسيما الأحياء الجديدة، مبيّناً أنّها مرتبطة بالتشطيب وليس التصميم، لافتاً إلى أنّ هذه الظاهرة تقريباً غير موجودة في القرى؛ بحكم نوعية العلاقة بين الجيران. وأضاف أنّ الأعراف الاجتماعية تضغط على المجتمع فترفع كلفة المنازل، ومن ذلك تخصيص مدخل للرجال وآخر للنساء؛ مما يزيد من كلفة الأبواب والبوابات الخراسانية، وفي نهاية المطاف يغلق جميع الأبواب ولا يستخدم إلاّ بوابة واحدة!، معتبراً أنّ المنازل تحولت إلى سجون، فلا ترى إلاّ بيوتاً مشوهة وجدراناً مبالغاً في طولها. وأشار إلى أنّ من أغرب ما مر عليه أنّ أخوين متجاورين طلب أحدهما خلال التصميم أن يرفع السور إلى أكثر من أربعة أمتار، محملاً مثل هذه التصرفات إلى حالة نفسية تراكمية، بالإضافة إلى الجانب الأخلاقي في وضع السواتر الجانبية للمنازل؛ منعاً من كشف الجيران له، معتبراً أنّ هذه ممارسة تشعر الجيران بحالة من الشك أو الريبة من صاحب المنزل، فتسود في المجتمع حالة من التشتت وعدم التقارب جراء مثل هذه التصرفات. ارتفاع الأسوار أفضل من الساتر من وجهة نظر كثير من المصممين شفافية ونظام أمني ونصح "محمد جابر" -مهندس معماري- باستبدال هذه الفكرة بوضع نظام أمني عبر الكاميرات المتبع لدى بعض المحلات، وبعض أصحاب البيوت، رغم تقارب التكلفة المادية أو تساويها. وحث "أحمد الشخص" -معلم تربية فنية- على اتباع مدرسة الشفافية كإحدى مدارس العمارة الحديثة التي أثرت في مفهوم البناء والتصميم وأخرجت العمارة من أحادية المصمم، مبيّناً أنّ منهجها ربط البناء بما حوله ربط مدروس ومتناغم، ومزجت ذلك بالجمال بجميع مشاهده الفنية والنفسية والاجتماعية، فخلق فضاء الجمال المعماري. وقال إنّ المنازل المحاطة بكتل الحديد فيها إشارة إلى عدم الرغبة في التواصل مع الآخر، معتبراً أنّ هذه النوعية من المنازل منعت المهندسين من خلق منزل منسجم ومتعايش مع ما حوله؛ مما دعا إلى الإخلال بعناصر التصميم، مثل: فقدان الشعور بسعة المكان، وفقدان الإضاءة الطبيعية، إلى جانب الأثر الصحي الذي يخلقه غياب الضوء والهواء، كما أنّها أجبرت ساكنيها على اختيار ألوان لا تنسجم مع الذاكرة اللونية، متسائلاً: لماذا البنوك والشركات العملاقة لا تستخدم هذه المدرسة في مبانيها وتشعر زائرها بالارتياح وهي المعنية بتحصين نفسها أكثر منا؟، حيث إنّها استخدمت أسلوباً أبسط في تصميمها. إغلاق النوافذ بأشكال مختلفة من الحديد تصميم جمالي وبرر "أحمد العبدرب النبي" -مشرف تربوي للتربية الفنية- وجود فكرة "لا يطب علينا الحرامي" في تصميم منازلنا بعدم مواكبة التطور، وغياب تقنيات تجعل المواطن يبحث عن الطرق البديلة التي تشوه واجهة المنزل مثل الواجهات المعدنية "الشينكو"، محملاً وزارة الشؤون البلدية والمهندسين مسؤولية غياب الجماليات من واجهة منازلنا والعمائر؛ كونهم يمتلكون قدرة الإلزام، متمنياً استحداث قسم في التربية الفنية في الجامعات يعنى بتصميم واجهات المباني كما هو معمول به في مصر، إلى جانب استحداث أقسام في الأمانات مهمته التدقيق في جماليات واجهات المباني، وتطعيمها بالزخارف الشعبية لكل منطقة حسب طبيعة التصميم، موضحاً أنّ إيطاليا تلزم أصحاب المنازل بتخصيص (20%) من المبنى للجماليات من نوافير وتصميم الواجهة وغير ذلك. وأضاف أنّ غياب الجماليات عن منازلنا عائد لغياب الذائقة الجمالية لدى الفرد، وبالتالي انعكاسها على نفسيته، وأخلاقه، وتعامله، مشيراً إلى أنّ المواطن إذا رأى جماليات الشوارع وخضرتها ستنعكس على نفسيته وتعامله؛ مما يسهم في تعزيز الأمن الوطني، داعياً الرجوع إلى تصميم المنزل العربي القديم بوجود الفناء الداخلي الذي يعطي الطمأنينة والأمن، فتخرج المرأة دون خوف أو وجل من عيون الجيران أو الحرامية!. الحديد يشوه واجهة المنزل ولكنه يبقى خياراً لدى البعض منزل تحول إلى قفص خوفاً من الحرامي المنازل تحولت إلى قلاع من حديد شبك حديدي مرتفع شوه تصميم المنزل واجهة المنزل اختفت تحت «الهنجر» علو السور يخلق شعوراً بالقلق وضيق المكان ساتر الارتداد حتى لا يكشف الجار المنزل ساتر القماش أسوأ من الحديد م.عبدالرحمن النعيم م.محمد جابر إبراهيم البقشي زيد الشخص أحمد العبدرب النبي م.علي المطر