منذ انطلاقها في ستينات القرن العشرين، ساهمت الحوسبة عالية الأداء HPC (والتي تعرف أيضاً بالحوسبة الفائقة Supercomputing) بشكل كبير في رفع القدرات التنافسية العلمية والهندسية والصناعية. ومنذ أمد بعيد، توسع استخدام الحوسبة الفائقة خارج نطاق الحكومات ومراكز الأبحاث في الجامعات، وساعدت الحوسبة الفائقة بالفعل في جعل السيارات والطائرات أكثر أماناً وكفاءة في استهلاك الوقود وصديقة للبيئة، وهي تمثل وسيلة مهمة في مجال استكشاف واستخراج مصادر جديدة للنفط والغاز، وفي تطوير مصادر بديلة للطاقة. كما يعتمد عليها بشكل كبير ليس في مجال صناعة السيارات والفضاء فحسب، بل أيضاً في قطاعات متنوعة تمتد من الخدمات المالية إلى الدواء والرعاية الصحية والترفيه والمنتجات الإستهلاكية والأحوال الجوية، وحتى توقع العواصف الشديدة، ووصلت في الآونة الأخيرة إلى شركات الإنترنت، ومن دون الكومبيوترات الفائقة، فإنه ليس بالإمكان اكتشاف الخروقات الأمنية الإلكترونية المعقدة والتهديدات الداخلية وعمليات الاحتيال الإلكتروني المنتشرة اليوم. وأظهرت دراسة قامت بها شركة IDC لأبحاث الأسواق أن 97٪ من الشركات التي تعتمد الحوسبة الفائقة تقول إنها لا تستطيع الاستمرار بالمنافسة أو البقاء من دونها. عبدالعزيز الهليل ولتسليط مزيد من الضوء حول الحوسبة عالية الأداء التقينا بالمهندس عبدالعزيز الهليِّل، المدير الإقليمي في المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين في شركة "آي دي سي" IDC لأبحاث الأسواق حيث قال عن أهمية الحوسبة عالية الأداء "زادت العديد من الشركات في منطقة الشرق الأوسط استثماراتها في هذا المجال بشكل كبير، وبالذات في المملكة، ومع أن إنفاق بلدان المنطقة على الحوسبة الفائقة ما يزال دون مستوى الاستثمارات المماثلة في البلدان المتقدمة، إلا أن قادة المنطقة بدأوا يرون أهمية الحوسبة عالية الأداء لمجالات الاقتصاد وضمان أمن البلاد وكذلك إجراء الأبحاث الطبية وتطوير التعليم، وعلى المستوى العالمي، لا غرابة في أن تقود الولاياتالمتحدة الإنفاق العالمي على الحوسبة عالية الأداء، تليها الصين واليابان، ومن ثم ألمانيا وفرنسا اللتين يكتمل بهما عقد الخمسة الكبار". وأضاف "من الأسواق الجديدة التي تقود التوجه نحو الحوسبة عالية الأداء تطبيقات الفحوصات الدقيقة القائمة على تحليل كميات ضخمة من البيانات (لاكتشاف الاحتيال، ومكافحة الإرهاب، الخ)، والنماذج الرياضية الذكية، والخوارزميات المساعدة في مجال الأبحاث والتطوير، والتطبيقات الفورية وشبه الفورية التي تستخدم كثيراً في كشف تزوير بطاقات الائتمان، والتشخيص الفوري للأمراض، ومكافحة الإرهاب، ولأغراض التأمين". وكانت آي دي سي قد وجدت في بحث أجري عام 2012 أن المختبرات الحكومية جاءت في مقدمة المستثمرين في الحوسبة عالية الأداء في قطاع الصناعة والتطبيقات في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا، متقدمة بنحو الضعفين عن أقرب القطاعات التالية، حيث بلغت 53,268 مليون دولار. يليها قطاع الجامعات والتعليم وبلغ 28,958 مليون دولار والعلوم الحيوية وبلغ 26,341 مليون دولار، في مؤشر واضح على عزم حكومات المنطقة على الاستثمار بقوة في الحوسبة عالية الأداء. ويقدر رئيس قسم القيادة الإلكترونية في البنتاغون الجنرال كيث ألكساندر أن الهجمات الرقمية وسرقة الملكية الفكرية تكلف الولاياتالمتحدة 250 مليار دولار سنوياً، ومن جهة أخرى يمكن أن تشكل تهديدات التجسس الداخلي كارثة عالية الخطورة للحكومات، خاصة الجيش، حيث يمكن اختراق أهداف عالية الأهمية وتسريب معلومات سرية. ويضيف الهليل "إن الاحتيال يشكل أحد الأسباب الرئيسية لاستغلال البيانات للاستخدام الشخصي. ويقدر مكتب التحقيقات الاتحادي في الولاياتالمتحدة أن 10٪ من التعاملات في برامج الرعاية الصحية الاتحادية مزورة، ما يكلف أكثر من 100 مليار دولار كل عام. واليوم، يكتشف الاحتيال بعد وقوعه ولا تسترد الحكومة سوى 5 مليارات دولار منها كل عام. وتجري الحكومة اختبارات لتقييم العديد من الحلول المقترحة لحل مشكلة "البيانات الضخمة" هذه". وعن فائدة الحوسبة عالية الأداء للمستقدم العادي يقول الهليل "تكاد تطبيقات الحوسبة عالية الأداء لا تنتهي، ويمكن أن تفيد الصناعات والشركات الكبرى وأيضاً المستخدم العادي، وبفضل الحوسبة عالية الأداء، يمكن لشركات بطاقات الائتمان أن تعثر سريعاً على الأنماط المريبة التي قد لا نعلم بوجودها عادة في مجموعات البيانات ذات الصلة، ما يتيح تحذير مزود الخدمة بخطر الاحتيال من خلال تحليلات آنية وبأقل قدر من الجهد". ويضيف "تقدر الخسائر السنوية لقطاع الأعمال في الولاياتالمتحدة نتيجة الاحتيال بما يصل إلى تريليون دولار، وتبلغ نسبة الإحتيال في المصارف وقطاع الخدمات المالية 16٪ من حالات الاحتيال في القطاع الخاص، أي أكثر من أي صناعة أخرى وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن جمعية مفتشي الاحتيال المعتمدين". وللحوسب عالية الأداء تأثير على نمو الصناعات حيث أشارت نتائج بحث أجرته شركة آي دي سي في وقت سابق إلى عائدات مرتفعة للاستثمار في الحوسبة عالية الأداء حيث يبلغ العائد الوسطي لكل دولار مستثمر في الحوسبة عالية الأداء 356 دولاراً، ويبلغ الوفر الوسطي في التكاليف لكل دولار مستثمر في الحوسبة عالية الأداء 38 دولاراً. وحول ذلك يقول الهليل "إن ما تراه الإدارات الحكومية والشركات الكبرى من توفير كبير في التكاليف يجعلها تحرص على الاستثمار في الحوسبة عالية الأداء، وفي الحقيقة فقد زادت الشركات الإقليمية من استثماراتها بصورة ملحوظة في السنوات الأخيرة، لكن معظم الزيادات كانت من آسيا وأوروبا". وفيما يتعلق بالقطاعات فإن أكبر المستثمرين في المملكة هم من سوق النفط والغاز والحكومة والقطاع الأكاديمي،. وتتوقع شركة آي دي سي أن الإنفاق على خوادم الحوسبة عالية الأداء سيزيد بمعدل قوي يبلغ 7.2٪ سنوياً حتى عام 2017، بل إن الاستثمارات في الأجهزة والمعدات المعلوماتية في صناعة النفط والغاز ستنمو بصورة أسرع. وأظهرت دراسة أجرتها شركة آي دي سي أن عائدات الحوسبة عالية الأداء في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا تجاوزت مبلغ 383 ألف دولار عام 2013، ويمثل ذلك فرصة للنمو الاقتصادي في المملكة، حيث تملك المملكة اليوم العديد من الكومبيوترات الفائقة عالمية المستوى، ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد بنهاية عام 2014، يقول الهليل "تنظر الحكومات إلى الريادة في الحوسبة عالية الأداء كأمر بالغ الأهمية نظراً لعدة عوامل، منها الاعتزاز بالوطن والأمن الوطني، وهناك على القدر ذاته من الأهمية التقدم العلمي والازدهار الاقتصادي". ويقول عبدالرحمن الربيش الخبير في مجال الحوسبة عالية الأداء في المملكة: "يوجد في المملكة حالياً عددٌ قليل من مراكز الحوسبة عالية الأداء تنتشر في القطاعات الأكاديمية والصناعية ومراكز الأبحاث والتطوير، وثمة حاجة كبرى لتطوير البنية التحتية للشبكة في أنحاء المملكة لإتاحة الوصول والمشاركة في مرافق الحوسبة عالية الأداء". ويضيف قائلاً "بعض الجهات الأكاديمية مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لديها القدرة على زيادة الوعي بالحوسبة عالية الأداء وتعزيزها والاستفادة منها جنباً إلى جنب مع القطاع الخاص والجهات الأكاديمية كذلك، كجزء من السعي المتواصل للمملكة لتحويل نفسها إلى مجتمع قائم على المعرفة". وستُستخدم الموجة الجديدة من الكومبيوترات الفائقة في حل العديد من المشاكل بالغة التعقيد، مثل ظاهرة الاحتباس الحراري والطاقة البديلة والطاقة النووية الآمنة وإعداد نماذج لمواجهة الكوارث المالية والرعاية الصحية والأمن الداخلي، وغيرها. ويضيف الهليل "عند الجمع بين تقنيات البيانات الضخمة والحوسبة فائقة الأداء تتولد العديد من الفرص، حيث ستزيد الشركات من استثماراتها في موارد الحوسبة عالية الأداء لتحقيق الاستفادة القصوى من كميات المعلومات الضخمة المتوافرة لديها الآن، وعلى المدى الطويل، تشكل الحوسبة عالية الأداء مفتاح الحل للعديد من المسائل التي تحتاج لمعالجة كميات هائلة من البيانات في المملكة، سواء في القطاع العسكري أو التعليمي أو الرعاية الصحية، ما يتيح للحكومة توفير تريليونات الدولارات من خلال فحص وتتبع الطريقة التي تستخدم فيها البيانات، ومعرفة ما إذا كانت سُربت بشكل غير قانوني لأطراف أخرى، أو حتى كشف محاولات تزويرها أو التلاعب بها أو تعقبها بهدف التضليل الأمني".