للشعراء وقفاتهم التي يذكرونها في قصائدهم، ولكل وقفة حالة خاصة بها، هناك وقفة للتأمل المصحوب بذكر الفراق أو اللقاء، أو الوصف التأملي، وهناك ذكر للوقف من أجل التحدّث عن قضية ما، وقد تكون هذه الوقفة لها ما لها من تأثير في ذات الشاعر ليطلقها ناطقاً بها بما يختلج في أحاسيسه منبراً أمام المتلقي، ففي داخل هذه الوقفات وبين ثنايا كل وقفة موضوع (الرسالة) من قبل المرسل (الشاعر) والمتلقي المذكور في النصّ الشعري (المخاطب) أو المتلقي بشكل عامل (الجمهور). فلو قرأنا مطلع معلّقة امرئ القيس بن حجر الكندي أشعر شعراء الجاهلية الذي عدّوه النقّاد أول من وقف واستوقف وبكى واستبكى، هنا امرئ القيس يستوقف اثنين من أصدقائه، كما جرت عادة العرب في مخاطبة الاثنين لأن الصحبة عند العرب عادة ما تقوم على ثلاثة أشخاص، فهنا نجد الآمر بالوقفة (الشاعر) و المستوقف (صاحباه): قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ بسقط اللوى بين الدخولِ فحوملِ فتوضحُ فالمقراةُ لم يعفَ رسمها لما نسجتها من جنوبٍ وشمألِ ترى بَعَر الأرام في عرصاتها وقيعانها كأنه حبّ فلفلِ كأني غداة البين يوم تحمّلوا لدى سمرات الحيّ ناقف حنظلِ وقوفاً بها صحبي عليّ مطيّهم يقولون: لا تهلك أسى وتجمّلِ وإن شفائي عبرةٌ مهراقةٌ فهل عند رسمٍ دارسٍ من معوّلِ؟ وهناك استيقاف من أجل وصف حالة الفراق، تلك الحالة التي كانت لدى امرئ القيس مع صاحبيه، ولكنها بطريقة مباشرة لدى غيوض: قف وناظر دمعتي يوم ادرجت يوم شفتك ناوي ترحل بعيد يوم كلّمتك وصديت اخرجت أذهلتني دمعة الحزن الأكيد كلمتينٍ كنت أبا قول أمرجت دمعتينٍ سكرن حبل الوريد ولا عليها لوم بالشوق ادمجت ما تريدونه على ما كنت أريد ولو تقول أعداك نفسك ما نجت قل نعم شوقي على شوقه يزيد الحبايب عن دواخلها رجت ترجمان إحساسها صار النشيد عن خفايا في دواخلها لجت وكونت بين اثنينك بالرصيد ولا لغير الله بالشدة رجت يجمع اللامة ويمحى كل كيد أما شاعر النيل حافظ إبراهيم فيصف وقفة الناس بالوقوف من أجل الحديث عن قضية معيّنة، وهذا الوصف هو لحالة في موضع استيقاف بطريقة غيرة مباشرة: وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجد وحدي وبناة الاهرام فى سالف الدهر كفوني الكلام عند التحدي انا تاج العلاء فى مفرق الشرق ودراته فرائد عقدي أي شئ فى الغرب قد بهر الناس جمالا ولم يكن منه عندي فترابي تبر ونهري فرات وسمائي مصقولة كالفرند أينما سرت جدول كرم عند زهر مدنر عند رند ورجالى لو انصفوهم لسادوا من كهول ملء العيون ومرد لو اصابوا لهم مجالا لابدوا معجزات الذكاء فى كل قصد انا ان قدر الاله مماتي لاترى الشرق يرفع الراس بعدي ما رمانى رام و راح سليماً من قديم عناية الله جندي كم بغت دولة على وجارت ثم زالت وتلك عقبى التعدي قل لمن انكروا مفاخر قوي مثل ما انكروا ماثر ولدى هل وفقتم بقمة الهرم الاكبر؟ يوما فرايتم بعض جهدي ؟ استبينوا قصد السبيل وجدوا فالمعالي مخطوبة للمجد؟ وهو ما يشابهه في موضع الاستيقاف بطريقة غير مباشرة ، ولكنها عند الأمير فهد بن خالد تتداخل مع الزمن، فالوقفة هنا ليست لصاحبين أو للناس أو للحبيب، بل هي استيقاف الزمن والتأمل فيه والاستيقاف هنا عكس ماكان عليه الحال في نصّ شاعر النيل أعلاه، بل إنه وقوف قبل إعلان الاستيقاف: ماني على فرقاك يا شوق ناوي مير الزّمن له وقفةٍ بين الأحباب يشهد على ما أقول قلبٍ شقاوي ودمعٍ نثرته بان من بين الأهداب كانك على ذبح الوفى فيني قاوي تذبح خفوق اللي يحبك ولا تاب واللي بقى من وقتنا ما يساوي لحظة نعانيها من البعد أغراب لا يا نجوم الليل ماني بهاوي فرقى مناة الروح ولو طالت أسباب يا ناصحين القلب ما له مداوي غير الحبيب اللي له القلب طلاّب