«موديز» تتوقع: تريليون دولار إصدارات سندات مستدامة في 2025    "التجارة": نمو السجلات التجارية في قطاع التعليم 22% خلال العام 2024    شراكات استثنائية تدعم الابتكار والنمو الصناعي في المملكة بمعرض سابك بالجبيل    هل تُفشِل اشتراطات إسرائيل اتفاق غزة؟    عبور 54 شاحنة إغاثية سعودية جديدة لمساعدة الشعب السوري    ولي العهد⁩ يستقبل رئيسة وزراء إيطاليا في العلا    القيادة تهنئ رئيسة جمهورية الهند بمناسبة ذكرى يوم الجمهورية لبلادها    «الموارد»: 9,000 ريال حد أدنى لمهنة طب الأسنان    متحدثو مؤتمر حفر الباطن الدولي للصحة الريفية يطرحون تجاربهم خلال نسخة هذا العام    وفاة زوجة الفنان المصري سامي مغاوري    مجلس التعاون يدين استهداف المستشفى السعودي في الفاشر    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس جامعة حفر الباطن ويتسلم التقرير السنوي    إطلاق مشروع «مسرّعة ابتكارات اللُّغة العربيَّة»    المرور : استخدام "الجوال" يتصدّر مسببات الحوادث المرورية في القريات    القبض على 3 مخالفين لنظام أمن الحدود لتهريبهم 39,000 قرصٍ خاضع لتنظيم التداول الطبي بعسير    ضيوف الملك.. خطوات روحية نحو السماء    تجمع الرياض الصحي الأول: نحو رعاية وأثر في ملتقى نموذج الرعاية الصحية 2025    استشهاد فلسطيني في مدينة جنين    مؤتمر آسيان الثالث "خير أمة" يختتم أعماله    جامعة طيبة تُعلن بدء التقديم على وظائف برنامج الزمالة ما بعد الدكتوراه    الدولة المدنية قبيلة واحدة    رئيس ديوان المظالم يطلع على سير العمل بمحكمة الاستئناف والمحاكم الادارية بالشرقية    وفد من مؤسسي اللجنة الوطنية لشباب الأعمال السابقين يزور البكيرية    الديوان الملكي: وفاة والدة صاحب السمو الأمير فهد بن سعود بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعود    أمطار رعدية غزيرة وسيول على عدة مناطق    مرتادو جسر ملعب الشرائع ل«عكاظ»: الازدحام يخنقنا صباحاً    5 بريطانيين يعيشون ارتحال البدو بقطع 500 كم على ظهور الإبل    لماذا تجاهلت الأوسكار أنجلينا وسيلينا من ترشيحات 2025 ؟    آل الشيخ من تايلند يدعو العلماء إلى مواجهة الانحراف الفكري والعقدي    الدبلوماسية السعودية.. ودعم الملفات اللبنانية والسورية    «الكهرباء»: استعادة الخدمة الكهربائية في المناطق الجنوبية    نيوم يتغلّب على الطائي بهدف ويعود لصدارة دوري يلو    هاتريك مبابي يقود ريال مدريد للفوز على بلد الوليد    في الجولة ال 17 من دوري روشن.. النصر والأهلي يستضيفان الفتح والرياض    60 جهة حكومية وخاصة تشارك بمنتدى فرصتي    رئيسة وزراء إيطاليا تصل إلى جدة    بمشاركة 15 دولة لتعزيز الجاهزية.. انطلاق تمرين» رماح النصر 2025»    أدب المهجر    جوجل تطلق «فحص الهوِية» لتعزيز أمان «أندرويد»    10 سنوات من المجد والإنجازات    رئاسة الحرمين.. إطلاق هوية جديدة تواكب رؤية 2030    تدشن بوابة طلبات سفر الإفطار الرمضانية داخل المسجد الحرام    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    دراسة: تناول الكثير من اللحوم الحمراء قد يسبب الخرف وتدهور الصحة العقلية    4 أكواب قهوة يومياً تقي من السرطان    تحت رعاية خادم الحرمين ونيابة عن ولي العهد.. أمير الرياض يحضر حفل كؤوس الملك عبدالعزيز والملك سلمان    ترحيل 10948 مخالفا للأنظمة خلال أسبوع    «ليلة صادق الشاعر» تجمع عمالقة الفن في «موسم الرياض»    هيئة الهلال الأحمر السعودي بمنطقة الباحة جاهزيتها لمواجهة الحالة المطرية    لماذا تمديد خدماتهم ؟!    الأمم المتحدة: نحو 30% من اللاجئين السوريين يريدون العودة إلى ديارهم    المالكي يهنئ أمير منطقة الباحة بالتمديد له أميرًا للمنطقة    تمكين المرأة: بين استثمار الأنوثة والمهنية ذات المحتوى    تحديد أسعار وزن المواشي ينتظر الدليل    تحديد موقف ميتروفيتش وسافيتش من لقاء القادسية    الاتحاد يقترب من أوناي هيرنانديز    إنجازات تكنولوجية.. استعادة النطق والبصر    الهروب إلى الأمام والرفاهية العقلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نورا العلي
هل بالطلول لسائل رد ؟؟
نشر في الجزيرة يوم 08 - 12 - 2011

الأماكن، الأطلال، آثار الديار، بقايا ذكريات، محفورة في مغارات الذات.
نمر بالأطلال، نتذكر أياما كانت تبيد الهمّ، بوجود الأحبة، وأمست توقظ الجراح، وتزيد الألم، بفراقهم.
وتفوح من طيب الثناء روائحٌ
لهم بكل مكانةٍ تستنشقُ
مسكية النفحات إلا أنها
وحشية، بسواهم لا تعبقُ
الحنين، هذا الشعور الذي يسكن، ويغفى في شغاف القلب، توقظه لحظة مرور عابرة، فتكتشف بأن نفسك تتشبث بمكان بعينه، حتى وان درس، تقف فيه، يتراءى أمامك خيال الأحبة وأطيافهم وطيوبهم، عندها، تستبد الحياة بوجهها القاتم، وكلما حلك السواد استبدت الذكريات، وأوغر طيف من نحب في الحضور، ونتساءل... أين من كانوا أُنس الديار، وزينة السمار ؟!
سؤال, يستثير القلب كي يدمى، ويستحث العين كي تهمي.
ولولا الحب ما كُتِبت حروف
ولا سُئِل الرسومُ ولا الطلول
- هي الذكرى، تشقينا، فنعتاد الشقاء ويتحجر الدمع في المآقي، يضنينا، يملأ بالشجن ليالينا، فلا تستكين ولا تهدأ نفوسنا إلا بوابل الدمع، فنقر كما أقر نزار قباني ب « أن الدمع هوالإنسان «.
وهذا امرؤ القيس لا يجد له شفاء وسلوة من ألم الذكرى إلا الدموع:
وإن شفائي دمعة مُهراقة
فهل عند رسم دارس من معول.
- في العصر الجاهلي كان الشاعر إذا مر على مهد الصبا، ومرابع الأهل، ومرتع الطفولة، هاجت قريحته وجادت، وشرع في قول الشعر، وراح يصف عهدا من الزمان كان سلوة العمر، وبهجة الأيام، يصف ماضيا أفل، ويتمنى لوأنه فجرا يطل، لكن هيهات.
وحينما نتحدث عن الأطلال وآثار الديار في العصر الجاهلي أول ما يتبادر لأذهاننا قول امرؤ القيس:
«قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل «.
حيث يقال: إنه استن للشعراء من بعده الحديث في استيقاف الأصحاب، وبكاء الديار.
وهذا النابغة الذبياني، تستوقفه ديار الأحبة الخالية منهم، ولا يجاوبه إلا رجع الصدى، والصمت المطبق, فتكتمل صورة الحزن في قوله:
وقفت فيها أصيلا كي أسائلها
عيّت جوابا وما بالربع من أحد.
- في رأيي أن كثير عزة قد وصل الذروة في بكاء آثار الأحبة، وبلغ في ذلك أقصى مبلغ إذ مرّ بربع محبوبته، واستوقف صحبه علّهم يمسّون ترابا كان قد مس جلدها، فيصبح هذا التراب في نظره تبرا، وحفنة منه تساوي العمر وكأنه يتمثل القول:
«قد يهون العمر إلا ساعة
وتهون الأرض إلا موضعا «
فيقول القول الذي يقطع نياط القلوب:
خليلي، هذا ربع عزة، فاعقلا
قلوصيكما، ثم ابكيا حيث حلت
ومسّا ترابا كان قد مس جلدها
وبيتا وظلا حيث باتت وظلت.
وكان هذا ديدن الشعراء إذا مروا بآثار الديار، فلا بد أن تستوقفهم ولا يملكون إلا أن يفوها حقها لوعة ودموعا وإطراقا وإذعانا.
يقفون بالمكان الذي كان حقبا من الزمان، موطن الأحبة، وربيع القلوب، حتى وإن كان غير ذي زرع، فماضيهم ربّع وأثمر وأنبت من كل زوج بهيج، ولا يزال القلب عامرا بذكرياتهم، لكنها ذكرى على طريقة ابن زريق إذ يقول: « من يصدع قلبي ذكره»
- يؤلمني كثيرا الحنين إلى الأماكن التي تسكن فيها ذكريات العمر، يوجعني أكثر، صعوبة المرور بها، وربما، استحالة زيارتها، وهي منى النفس، وسلوة الخاطر.
الحالة العاطفية التي تنشأ بين الإنسان والمكان أشد وطأ وأنكأ جرحا، إذا حل الفراق، وجرى البين بيد عسراء تمنع الحضور واللقاء.العباس بن الأحنف سطّر بيتا يثير الشجن، ويوضح ارتباط الإنسان بالمكان، بلغة عذبة رقيقة، مصحوبة بلوعة وحسرة فيقول:
وقد كنت أبكيكم بيثرب مرة
وكانت منى نفسي من الأرض يثرب.
- اختتم مقالتي تلك بمرور سريع على ملحمة ابراهيم ناجي «الأطلال»، إذ لا أقوى الإسهاب فيها، حيث توقظ الوجع وتعمّر الوقت بالحزن، حتى في القلب الخلي.
ها هويعود الأمكنة التي اعتلت بفقدان الحبيب، يتعهدها بالزيارة، ليستنشق عبير الذكريات الذي لا أظنه أبدا نسيم عليل، بل نسيم يحرّض على البكاء والعويل، فيقول:
يا حبيبا زرت يوما أيكه
طائر الشوق أغني ألمي
- من يداوي جرح السنين، من يمسح عبرة مكلوم حزين، حينما يلتهب الشوق بالقلب، ويثور الحنين، جرّاء المرور بالأماكن والأطلال.
ليس ثمة ملاذ، ولا مهرب من نوبات الشوق والوله، وليس بوسعنا إلا أن نتبع نهج ابراهيم ناجي إذ يقول:
اسقني واشرب على أطلاله
واروعني طالما الدمع روى.
ليس إلا الدمع، وإن كان « لا يُغْنِي فَتيلاً وَلا يُجدي «.
ها هوذا الشاعر دوقلة المنبجي يقرر حقيقة واضحة، يهرب الكثير منها، يتترسون بمتراس الذكرى، اتقاء فجيعة الواقع، يتعللون بالأطلال، ليتمكنوا من العيش بسلام إلى أن يلحقوا بمن فارقوا من الأحبة.
ما أقسى قوله في البيت:
هل بالطلول لسائل رد
أم هل لها بتكلم عهد.
آخر الكلام
أُردد ويلي لوقضى الويل حاجة
وأكثر لهفي لوشفى غلة لهف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.