للشعراء تساؤلاتهم الخاصة التي تعبّر عن ذواتهم ، وقد يكون التساؤل مضمراً في ذات الشاعر أو قد يكون معلناً إما على لسانه هو أو على لسان الحبيبة ، وغالباً ما تكون الحبيبة مستحضرة لدى الشاعر في ثنايا القصيدة ، أي أن الحبيبة الموجودة في النصّ هي من ابتكار الشاعر نفسه للتحدّث عن نفسه والتعبير عن مكنوناته التي قد يغيب عنها السؤال كما أسلفت ، وقد لا يكون هناك سوى الصحب والأصدقاء الذين يحضرون مع النصّ المستحضر كمدخل للقصيدة أو لحظة وقوف في التأمل ، يتجلى ذلك في قول امرئ القيس بن حجر الكندي في مطلع معلّقته الشهير وكأنه يجيب عن تساؤلاتهم: قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ بسقط اللوى بين الدخول فحوملِ فتوضحُ فالمقراة لم يُعفَ رسمها لما نَسَجتها من جنوبٍ وشمألِ ترى بَعَر الأرام في عرصاتها وقيعانها كأنه حبّ فلفل وقوفاً بها صحبي عليّ مطيّهم يقولون: لا تهلك أسىً وتجمّلِ وينطبق المثل على المعلّقات السبع بل العشر كلها ، والتي يتخللها جواب عن سؤال مضمر في ذات الشاعر .. وهناك التساؤل في محلّ الإجابة ، كما في قول فاروق بنجر: وأنا أعبرُ بالشِّعرِ طريقَا هِبْتُ دَربي ويناديني من الأعماقِ قلبي وصَديقْ قلتُ : يا اللهُ ، أينَ الضِّفَّتانْ ؟ وامتِدادُ النهْرِ أشجانُ زمانٍ ومكانْ وأنا وَحدي ونَايٌ ومَساءُ الأقْحُوانْ ! أترى أعبرُ بي هذا الطريقْ ؟ أو إعادة صياغة التساؤل والإجابة عليه داخل النصّ الشعري مثل قول طرفة بن العبد البكري: إذا القوم قالوا: من فتى؟ خلتُ أنني عنيتُ فلم أكسل ولم أتبلدِ ولستُ بحلال التلاع مخافةً ولكن متى يسترفد القوم أرفدِ وإن تبغني في حلقة القوم تلقني وإن تقتنصني في الحوانيت تصطدِ وإن يلتق الحيّ الجميع تلاقني إلى ذروة البيت الكريم المصمّدِ ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي؟ فإن كنت لا تسطيع دفع منيتي فدعني أبادرها بما ملكت يدي كريمٌ يروّي نفسه في حياته ستعلم: إن متنا غداً أينا الصدي؟ وهناك التساؤل المعلن الذي يبديه الشاعر على لسان حبيبته وإجابته عليه كما عند أبي فراس الحمداني: تساءلني: من أنت؟ وهي عليمة وهل من فتى مثلي على حاله نكرُ؟ فقلتُ كما شاءت وشاء لها الهوى: قتيلك ، قالت: أيهم فهم كثرُ ومثله في الشعر النبطي نجد التساؤل في محل الحوار كما في قول الأمير خالد الفيصل: قالت: من أنت؟ وقلت: مجموعة إنسان من كلّ ضدّ وضدّ تلقين فيني فيني نهار وليل وأفراح وأحزان أضحك ودمعي حايرٍ وسط عيني فيني بداية وقت ونهاية ازمان أشتاق باكر واعطي امسي حنيني واسقي قلوب الناس عشقٍ وضميان واهدي حيارى الدرب واحتار ويني وأحاوم طيور السما حوم نشوان وأسيل الوديان دمعٍ حزيني في عيني اليمنى من الورد بستان وفي عيني اليسرى عجاج السنيني تهزمني النجلا وانا ندّ فرسان واخفي طعوني والمحبه تبيني وإن ما عرفتيني فلا نيب زعلان حتى أنا تراني احترت فيني كما نجد ذلك التساؤل للتعريف ، كما في قول أحمد الناصر الأحمد : قالت: من تكون بالتحديد؟ يا الشاعر النازف المُجهد يالمُتسِع والمراجل بيد يالمُبتعِد حيل يالأبعد يالمُرتفِع عن ظنون الغيد يالمنطوي لامتى تزهد؟ من أنت قلّي وخل الكيد أصدق مع اللي بك استفرد قلت: أصدقك والحقايق صيد خذها من الأقرب الأوكد الله خلقني وكره القيد آقف حسب رغبتي واقعد وان مابقيت بحياتي سيد أموت من قبل ما استعبد وبحكمة الرب صرت وحيد إلا مع الصدق والمسجد كان رمضاني بليا عيد فلصوم للصادقين أفود الحب والعشق والتغريد كرهتها داخل المشهد وملّيت من كثرة الترديد وخذلان الأبيض من الأسود لو شفتني رايح لبعيد مبعد ولا نيب مُستبعَد أشياء كثيرة تهد الحيد في داخل النازف المُسهَد ذا بعضها وإن بغيت آزيد الله يعينك على الأزود قالت: كفاية وصل ما اريد اللي ذكرته هو المقصد أنا عرفتك وبالتأكيد أنت أحمد الناصر الأحمد الأحمد