في حفل الشمال وعرسها البهي الشهر الماضي تبشر لوحات إعلانية على طريق سريع عند بلدة طريف الصحراوية الواقعة في أقصى شمال المملكة بمستقبل مشرق فيه مبان بواجهات زجاجية وأحياء سكنية تظلل أشجار النخيل شوارعها، لكنه مستقبل لن يعتمد على النفط. في الشهر الماضي تجمع عدد من وزراء الحكومة في خيمة قرب تلك المحافظة التي تبعد 1100 كيلومتر عن الرياض و200 كيلومتر عن عرعر لتوقيع عقود لإنشاء مجمع صناعي حول منجم فوسفات وسكة حديدية جديدة تصل إلى ميناء على الخليج العربي باستثمارات إجمالية تقدر بأكثر من 36مليارا. ويمثل مشروع وعد الشمال جزءا من استراتيجية عامة لبناء صناعات تحويلية ودعم القطاع الخاص بدلا من الاكتفاء بتصدير المواد الخام. ويأتي المشروع في أعقاب الجبيل وينبع وهما مدينتان صناعيتان على ساحل الخليج وساحل البحر الأحمر أنشأتهما الدولة في الثمانينات مع نمو إنتاج البتروكيماويات في البلاد. وتعمل المملكة أيضا على تطوير مدينة الملك عبدالله الاقتصادية قرب جدة كمشروع للقطاع الخاص بأهداف مماثلة. وهذا المنهج سيساعد على تنويع القاعدة الاقتصادية... وتنويع إيرادات التصدير وسيكون له أثر على التوظيف وإن لم يكن كبيرا. الشيء الوحيد الذي لا يشمله هو تنويع إيرادات الميزانية. ولم يكن لجهود تنويع النشاط الاقتصادي من خلال الصناعة في الفترة الأخيرة أثر يذكر على البيانات الرسمية المتعلقة بحجم صناعة النفط مقارنة بالاقتصاد بأكمله إذ إن نمو إيرادات النفط فاق نمو القطاعات غير النفطية. وتظهر أحدث بيانات من مؤسسة النقد العربي السعودي أن صناعة النفط والغاز شكلت 49.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2012 ارتفاعا من 37.7 بالمئة في 2002 مع تضاعف سعر خام برنت إلى نحو أربعة أمثاله في تلك الفترة. لكن كثيرا من المحللين يتوقعون انخفاض أسعار النفط في السنوات القليلة المقبلة مع زيادة إنتاج النفط الصخري في الولاياتالمتحدة وهو ما سيسلط الضوء على فوائد تنويع الأنشطة الاقتصادية.9 مليارات دولار حجم الاستثمارات التي سيتم ضخها في مشروع وعد الشمال لإنشاء مجمع صناعي حول منجم فوسفات وسكة حديدية جديدة. وقال وزير الاقتصاد محمد الجاسر للصحفيين في طريف إن السعودية بدأت بتصدير النفط الخام ثم انتقلت إلى التكرير ثم جمع الغاز وإنشاء صناعة البتروكيماويات وأعقب ذلك نشاط التعدين واسع النطاق. وأضاف أن صناعات كبرى ترتبط بنشاط التعدين. وقد تتحول شركة التعدين العربية السعودية (معادن) التي تملك الدولة نصف أسهمها وهي أكبر مساهم في المشروع إلى لاعب كبير في صناعة المعادن العالمية على غرار التحول الذي مرت به شركة سابك التي بدأت من الصفر في الثمانينات وأصبحت اليوم من أكبر شركات الكيماويات الصناعية في العالم. ومع اهتمام الحكومة بخلق فرص عمل من خلال مشروع وعد الشمال تخطط المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لإنشاء معهد جديد في منطقة قريبة لتخريج 300 شخص سنويا للعمل في القطاعات الصناعية. وتتزايد أعداد السعوديين العاملين في المجالات التقنية التي كانت ذات يوم حكرا على الوافدين وهو اتجاه تعمل الحكومة على تشجيعه من خلال تعديل نظم العمل. وفي تصريح في حفل الشمال قال وزير البترول علي النعيمي للصحفيين إن الاستكشافات لم تكد تغطي السعودية وإن هناك فرصا كبيرة جدا لاكتشاف ثروات معدنية إضافية. وأضاف أن هناك نشاطا كبيرا واهتماما بالثروة المعدنية. وقد بدأت شركة معادن للفوسفات العمل في 2011 كأول مشروع في المنطقة بالشراكة مع سابك بطاقة إنتاجية تبلغ 11.6 مليون طن سنويا من خام الفوسفات في موقع حزم الجلاميد بمنطقة الحدود الشمالية غرب عرعر95 كيلو لتغذية مصنع لسماد الفوسفات ثنائي الأمونيوم في رأس الخير على ساحل الخليج تبلغ طاقته الإنتاجية ثلاثة ملايين طن سنويا. وفي العام الماضي دشنت معادن ثاني مشروع كبير وهو مشروع مشترك للألمنيوم بقيمة 10.8 مليار دولار مع شركة ألكوا ومقرها الولاياتالمتحدة ويتألف من مصفاة للألومينا ومصهر ألمنيوم ومصنع درفلة في رأس الخير. ويستورد المشروع المواد الخام حاليا لكنه في نهاية الأمر سيستخدم خام البوكسيت من منجم البعيثة في منطقة القصيم الذي من المقرر أن يبدأ العمل هذا العام بإنتاج يبلغ أربعة ملايين طن سنويا. وتربط شبكة سكك حديدية جديدة بين منجم الفوسفات في الجلاميد ومنجم البوكسيت في القصيم والمجمعات الصناعية في رأس الخير وقد أنشأتها الشركة السعودية للخطوط الحديدية المملوكة للدولة وسيجري مدها إلى مدينة وعد الشمال. وسيضيف مشروع وعد الشمال المشترك مع سابك وموزاييك الأميركية إلى تلك المشروعات السابقة منجما في أم وعال قرب بلدة طريف وتسع منشآت صناعية ضخمة. وقالت معادن قبل شهرين إنها حصلت على تعهدات تمويلية من البنوك بقيمة 4.2 مليارات دولار لتمويل مشروع الفوسفات ووعد الشمال وستقدم مؤسسات حكومية ثلاثة مليارات دولار. ومن المتوقع بدء الإنتاج عام 2016. وستمول المؤسسات الحكومية أيضا توسعة شبكة السكك الحديدية والميناء. ويحتوي منجم فوسفات الجلاميد على احتياطات بنحو 534 مليون طن وتبلغ الطاقة الإنتاجية المستهدفة قريبا من 5 ملايين طن سنوياً من مركز الفوسفات الجامد من أصل كميات الخام الداخلة للمصنع والبالغة 11,6 مليون طن سنوياً، وبحسب الاقتصاديين، ففي العشرين سنة الأولى تهدف شركة معادن الفوسفات لاستخراج 223 مليون طن وإيصالها عبر سكة الحديد والتي تم تجربتها بنجاح حيث تم شحن أولى كميات الفوسفات لمصنع الشركة في رأس الزور، إلا أن الملاحظ أن السيارات الكبيرة والشاحنات مازالت تتكفل بعملية النقل من حزم الجلاميد إلى رأس الزور وهو ما يشير إلى ضعف تشغيل قطار الجلاميد.