تبشّر لوحات إعلانية على طريق سريع عند بلدة طريف الصحراوية، في أقصى شمال السعودية، بمستقبل مشرق يمتاز بمبان مع واجهات زجاجية وأحياء سكنية تظلل أشجار النخيل شوارعها، وهو مستقبل لن يعتمد على النفط السعودي. وتجمع الأسبوع الماضي عدد من الوزراء في خيمة قرب تلك البلدة القاحلة التي تبعد 1100 كيلومتر عن الرياض، لتوقيع عقود لإنشاء مجمع صناعي حول منجم فوسفات وسكة حديد جديدة تصل إلى ميناء على الخليج، باستثمارات تتجاوز تسعة بلايين دولار. ويمثل مشروع «وعد الشمال» جزءاً من إستراتيجية عامة في المملكة لإنشاء صناعات تحويلية ودعم القطاع الخاص، بدلاً من الاكتفاء بتصدير المواد الخام. وتعمل الرياض أيضاً على تطوير «مدينة الملك عبد الله الاقتصادية» قريباً من جدة، والتي تديرها شركة «إعمار المدينة الاقتصادية» كمشروع للقطاع الخاص بأهداف مماثلة. وقال المدير في إدارة الأخطار السيادية في مؤسسة «فيتش» للتصنيف الائتماني بول غامبل: «أعتقد أن هذا المنهج سيساعد على تنويع القاعدة الاقتصادية (...) وتنويع إيرادات التصدير سيدعم التوظيف إلى حد ما، والشيء الوحيد الذي لا يشمله المنهج هو تنويع إيرادات الموازنة». ولم يكن لجهود تنويع النشاط الاقتصادي من خلال الصناعة أخيراً، أثر يذكر على البيانات الرسمية المتعلقة بحجم صناعة النفط مقارنة بالاقتصاد كاملاً، إذ إن نمو إيرادات النفط فاق نمو القطاعات غير النفطية. وأظهرت بيانات حديثة أصدرها البنك المركزي، أن صناعة النفط والغاز استحوذت على 49.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2012، مقارنة ب37.7 في المئة عام 2002، مع تضاعف سعر خام «برنت» نحو أربع مرات. ولكن بعض المحللين توقعوا تراجع أسعار النفط في السنوات القليلة المقبلة مع زيادة إنتاج النفط الصخري في الولاياتالمتحدة، ما سيسلط الضوء على فوائد تنويع الأنشطة الاقتصادية. وقال وزير الاقتصاد السعودي محمد الجاسر في طريف: «السعودية بدأت بتصدير النفط الخام، ثم انتقلت إلى التكرير، ثم جمع الغاز وإنشاء صناعة البتروكيماويات، كما أعقب ذلك نشاط التعدين الواسع النطاق، وهذه صناعات كبرى ترتبط» به. ومن المخطط أن تتحول هذه المنطقة الصحراوية منطقة رئيسة لإنتاج المنتجات الفوسفاتية عند اكتمال المشروع، ومن بينها سماد الأمونيا والعلف الحيواني والبلاستيك والمنظفات. وقد تتحول شركة «التعدين العربية السعودية» (معادن)، التي تملك الدولة نصف أسهمها وهي أكبر مساهم في المشروع، إلى لاعب كبير في صناعة المعادن العالمية على غرار التحول الذي شهدته شركة «سابك»، التي بدأت من الصفر في ثمانينات القرن الماضي وأصبحت اليوم من أكبر شركات الكيماويات الصناعية في العالم. وقال وزير المال إبراهيم العساف في تصريح الى وكالة «رويترز»: «المنطقة ستضم صناعات عدة لها فوائد كثيرة من ناحية التوظيف». وتتزايد أعداد السعوديين العاملين في المجالات التقنية التي كانت ذات يوم حكراً على الوافدين، وهو اتجاه تعمل الحكومة على تشجيعه من خلال تعديل نظم العمل، ولكن شركات عدة لا تزال تفضل توظيف اليد العاملة الوافدة الأقل كلفة. وأكد وزير البترول علي النعيمي للصحافيين، أن «الاستكشافات لم تغطِّ (كامل المناطق) السعودية، وهناك فرصاً كبيرة جداً لاكتشاف ثروات معدنية إضافية». وبدأت شركة «معادن للفوسفات» العمل عام 2011 بالشراكة مع «سابك» بطاقة إنتاجية تبلغ 11.6 مليون طن سنوياً من خام الفوسفات، ودشنت العام الماضي مشروعاً مشتركاً للألومنيوم ب10.8 بليون دولار مع شركة «ألكوا» التي تتخذ من الولاياتالمتحدة مقراً. وتربط شبكة جديدة من سكك الحديد منجم الفوسفات في الجلاميد ومنجم البوكسيت في القصيم والمجمعات الصناعية في رأس الخير، أنشأتها «الشركة السعودية للخطوط الحديدية» المملوكة للدولة وسيجري مدها إلى مدينة «وعد الشمال». وسيضيف مشروع «وعد الشمال» المشترك مع «سابك» و «موزاييك» الأميركية إلى المشاريع السابقة، منجماً في أم وعال قرب بلدة طريف وتسع منشآت صناعية ضخمة. وأكدت «معادن» في كانون الأول (ديسمبر) الماضي حصولها على تعهدات تمويلية من المصارف ب4.2 بليون دولار، كما ستقدم مؤسسات حكومية ثلاثة بلايين دولار، في حين يُتوقع بدء الإنتاج عام 2016. وأصبحت السعودية بالفعل مصدراً رئيساً لليوريا والأمونيا، وهما من أكثر أنواع الأسمدة الصناعية استخداماً، من خلال شركة «سافكو» التابعة ل «سابك».