قبل أكثر من عام وتحديداً في العدد 16241 بتاريخ 27 محرم 1434ه/ 11 ديسمبر 2012م طرحت في هذه الزاوية تحت عنوان (اليونسكو وتراثنا غير المادي) تساؤلات مبررة عن أسباب غياب المملكة العربية السعودية عن قوائم اليونسكو وعن المسؤول عن تجاهل التراث غير المادي في بلاد ذات عمق تاريخي وتمدد جغرافي العر فيها من الثراء العددي والنوعي ما يفوق كثيراً من الدول على مستوى العالم، وأكدت أنه بسبب هذا الإهمال من الجهات الرسمية التي لم أحددها فنحن أحوج من غيرنا إلى الاهتمام بإدراج تراثنا في قوائم اليونسكو، وطالبت بالاحتذاء بالأشقاء في الخليج الذين بادروا إلى توثيق تراثهم في المنظمة الدولية متفوقين على الشقيقة الكبرى بسبب وعيهم بأهمية عولمة التراث الوطني وتوثيقه تعميقاً للهوية وترسيخاً للانتماء. وكان عليّ بعد هذا المقال أن انتظر 423 يوماً لأسمع صدى تساؤلاتي الوطنية المشروعة من خلال برنامج (لقاء الجمعة) في قناة روتانا خليجية حيث نقلها المذيع الرائع عبدالله المديفر إلى مندوب المملكة الدائم في منظمة اليونسكو الدكتور زياد الدريس الذي كان واعياً بأهمية الموضوع ومستشعراً أبعاده الثقافية ولذا فلم ير في تلك التساؤلات أي اتهام مباشر لدوره في المنظمة بل اتفق معي فيها وعدّها تساؤلات مبررة جداً، ولكنه أوضح أنه كان يتمنى أني قد أشرت إلى المتسبب! وكيف لي أن أشير إلى المتسبب وأنا حين كتبت تساؤلاتي لم أكن أعلم حقيقة عن المتسبب بل كنت أتساءل عنه ولولا أن الدكتور زياد أشار إليه في لقاء الجمعة لما علمت عنه إلى اليوم! لقد كان مندوبنا الدائم في اليونسكو صريحاً جداً فقد اعترف بالتقصير ولم يعف المندوبية الدائمة من المسؤولية، بل ذكر أن عضوية السعودية في المنظمة تمتد إلى حوالي ستين سنة لأنها من الأعضاء المؤسسين وقد جاء إليها منذ بضع سنوات ولم يجد في قوائمها أي شيء يختص بها سواء التراث المادي أو غير المادي، فاشتغلت المندوبية أولاً على لائحة التراث العالمي المادي واستطاعت لأول مرة تسجيل مدائن صالح في عام 2008م ثم الدرعية 2010م وفي يونيو القادم سيتم التصويت على إدراج جدة التاريخية؛ مشيراً إلى أن تأخر إدراج مواقعنا الآثارية والتاريخية في المنظمة كل هذه السنين كان نتيجة لتحفظ ديني وسياسي تم تجاوزه بسبب تغيّر المفاهيم وتطور الأفكار. وأما التراث غير المادي الحديث الاهتمام قياساً على التراث غير المادي فقد أكّد أنه منذ بدأ وهو يلّحّ على الجهة المسؤولة التي حددها مشكوراً بوزارة الثقافة والإعلام للعمل على إعداد متطلبات التسجيل وملفات الإدراج لتراثنا غير المادي وفق معايير المنظمة وشروطها ولكن لا حياة لمن تنادي! وعلى الرغم من حديثه بحرقة عن هذا التقصير من قبل وزارة الثقافة والإعلام إلا أنه زفَّ لنا خبراً مبهجاً حول تقديم المندوبية لملف العرضة النجدية وملف المزمار إلى المنظمة بهدف إدراجهما في القائمة كما ذكر أنهم سيعملون على تقديم ملفات أخرى في العام القادم وأنهم قاموا بتسجيل مؤسسة حرفة المعنية بالمحافظة على التراث. وأخيراً فبعد حديث المندوب الدائم الصريح ننتظر من وزير الثقافة والإعلام وقفة صادقة لرعاية تراثنا والاهتمام به كمحدد من محددات الهوية الوطنية والقضاء على التجاهل والتقصير نحوه داخل أروقة وزارته. شكراً عبدالله المديفر.. شكراً زياد الدريس.