برفقة ابني النجيب ذهبت لشراء جوال جديد.. وأثناء تجولنا في المعرض قال وكأنه يحدث نفسه: "جميع الهواتف أصبحت متشابهة".. سمعته وتطوعت بالإجابة "هذا لأنها أصبحت تشترك في الحد الأدنى من التصميم الفعال".. لم يسألني عن معنى هذه الجملة المعقدة وبالتالي لم يتح لي فرصة إخباره أنها من استنتاجي الخاص (بعد أن لاحظت أيضا تشابه تصاميم السيارات والطائرات وأجهزة اللابتوب بل وحتى الأسماك والنباتات وأجساد البشر)!! .. فتصميم أي جهاز يجنح بمرور الزمن الى البساطة والفعالية وتلبية رغبات الزبون.. وحين تسعى شركات التصنيع الى نفس الأهداف ينتهون حتما الى ذات "التصميم" الذي يصبح مثاليا ومشتركا بينها.. فشركات الهواتف مثلا تتنافس لجعل هواتفها أصغر وأبسط وذات شاشة أكبر - لأن الثقيل والمعقد وصاحب الشاشة الصغيرة لا يشتريه أحد.. لهذا السبب من الطبيعي أن تنهي جميعها الى تصميم موحد يحقق هذه المطالب بالذات (خصوصا وجود شاشة كبيرة تستحوذ على أكثر من 90% من واجهة الجهاز).. وحين تصل الشركة إلى التصميم الأكثر فعالية تعجز بمرور الزمن عن مخالفته كونه يصبح "الشكل" الذي يحقق الأهداف ويتجاوب مع رغبات الزبائن - ومخالفته تعني خسارة السوق لصالح الشركات المنافسة! .. والاشتراك في "الحد الأدنى من التصميم الفعال" ظاهرة يمكن ملاحظها أيضا في السيارات رغم مرور أكثر من قرن على اختراعها.. فمهما تغيرت الموديلات وتعددت الأشكال تحتفظ سيارات السيدان بثلاثة عناصر مشتركة يصعب الهروب منها.. الأول مقدمة منخفضة (تحتها المحرك) ثم كابينة مرتفعة (تتسع للركاب) ثم النزول من جديد الى حيث مساحة التخزين في المؤخرة.. وتشترك جميع السيارات بهذا الشكل كونه التصميم المثالي الذي يحقق الحد الأدنى من الأهداف وعناصر السلامة - خصوصا انخفاض المقدمة والمؤخرة كي يتمكن السائق من رؤية الطريق (وأحيانا رفعهما بمستوى كابينة الركاب لتحقيق نفس الهدف كما في الباصات الصغيرة التي أصبحت أيضا تشبة بعضها البعض)!! .. أما في عالم الطائرات فأصبح يصعب على غير الخبراء التفريق بين طائرات البوينج (الأمريكية) والأيرباص (الأوروبية) والامبراير (البرازيلية).. والسبب؛ أن الشكل الذي تراه أصبح هو الشكل المثالي الذي توصل إليه الجميع بعد تجارب كثيرة أثبتت فعالية هذا التصميم أكثر من غيره - بما في ذلك جعل النوافذ صغيرة وبيضاوية منعا لتشقق الهيكل، ورفع نهايتي الجناحين الكبيرين للتخفيف من انزياح الهواء نحو الجوانب (وحسب ملاحظتي كان هذا آخر الإضافات النموذجية على الطائرات المدنية)!! .. أما الأغرب من كل ماسبق فهو أن يصبح (الشكل الكروي) الشكل المثالي والتصميم الموحد في عالم الطبيعة والكون.. فالأرض والكواكب والمجرات وجذوع الأشجار وأعضاء المخلوقات وأجزاء النباتات وبيوض الحيوانات جميعها كروية او تتخذ منحى دائري.. وفي أجسادنا نتمتع بجمجمة وعينين ومنخرين وأطراف وأعضاء دائرية او كروية - في حين لا نملك مربعات أو زوايا أومثلثات من أي نوع.. لن تجد مهما بحثت كوكبا مربعا أو جذعا مستطيلا أو أجسادا مثلثة أو أسماكا متساوية الأضلاع.. والسبب أن الشكل الكروي والدائري هو الشكل المثالي في الهندسة الإنشائية والنهائي في بناء الأجسام الطبيعية.. فهو الأكثر قوة وبساطة وفعالية وفي نفس الوقت الأقل كلفة وعطبا واستهلاكا للمواد - بدليل قشرة البيضة التي يمكنها تحمل وزنا كبيرا مقارنه بجدرانها الرقيقة!! .. كلمة أخيرة: (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم) كأفضل تصميم مثالي - ونهائي مشترك - يناسب أكرم مخلوق على وجه الأرض..