كما أن هناك أشخاصاً - ما يزالون - يعتقدون بأن الأرض مسطحة؛ يوجد علماء فلك يؤمنون بأن الكون بأكمله مسطحا وغير كروي.. وأذكر أنني كتبت قبل خمس سنوات مقالا اعترضت فيه على ادعاء صدر من وكالة ناسا - على ثقلها العملي - يدعي أن الكون مسطحا وليس كروي الشكل؛ وكدليل على هذا الادعاء قدمت الوكالة (في يوم الاربعاء 26 (ابريل) 2000) صورا تعد الأقدم للكون تثبت أنه مسطح الشكل - حسب ادعائها - وليس كرويا كما كان يعتقد!! وأذكر أنني قلت في نهاية ذلك المقال (رغم أن الصورة خير برهان إلا أنني على يقين بأن ناسا وقعت في خطأ ما.. ولهذه الأسباب يتملكني شعور قوي بأن وكالة الفضاء الأمريكية ستعدل عن رأيها بعد أربع أو خمس سنوات من الآن). واليوم عدلت ناسا عن رأيها بالفعل وأعلنت قبل أيام عن دلائل جديدة تشير الى كروية الكون؛ وهذه الدلائل (التي نشرت مؤخرا في مجلة Jonrnal Nature) تعتمد على خرائط حديثة مستقاة من مسح إشعاعي لأطراف الكون تبنته الوكالة. وهذه الخرائط لا تثبت فقط كروية الكون بل وتثبت إحاطته بغلاف واضح وقطر محدد يبلغ 70 بليون سنة ضوئية.. والعجيب أكثر؛ أن هذا القطر - رغم ضخامته - يعد صغيرا ومحصورا بالمعايير الفلكية. وهو أمر جعل العلماء في ناسا لا يستبعدون وجود (عدة) أكوان مختلفة تسبح كفقاعات - بقرب بعضها البعض - في فراغ لا يعلم حدوده إلا الله!! على أي حال - بصرف النظر عما تثبته ناسا أو تنفيه - هناك دلائل وشواهد كثيرة تعارض وتخالف أي رأي يقول بتسطح الكون: فالتسطح لا يتوافق مثلا مع نظرية توسع الكون جراء انفجار مركزي قديم (كون الانفجار بطبيعته ينتشر كفقاعة كروية الشكل) - وهذه النظرية بالمناسبة من أقوى النظريات الفلكية ويساندها قوله تعالى {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون}.. أضف لهذا ان افتراض شكل غير كروي للكون (كشكل صندوقي أو اسطواني أو هرمي مثلا) ينافي المنطق ويتعارض مع ما نراه في كل مظاهر الحياة.. فالكواكب والنجوم كروية ومداراتها دائرية. وأجسام الحيوانات والنباتات وأشكال الفواكه والثمار والمخلوقات دائرية أو كروية الشكل، بل نلاحظ شيوع هذا الشكل حتى في المخلوقات المجهرية وبيوض الأحياء وأصداف البحر وتوزيع تويجات الزهرة.. وهذه كلها أدلة تثبت بأن الشكل الدائري والكروي هو المناسب في بساطته ومتانته (كما في البيضه والجمجمة) وتلقائي في تبلوره ومساره (كما هو شكل أي انفجار) وبالتالي يصعب تصور الكون بأي شكل آخر..!! أما السبب الثالث - لعدم تقبلي فكرة تسطح الكون - فهو وجود أحاديث كثيرة تشير الى كروية السماوات وإحاطتها ببعضها (كسبع طبقات) يفصل بينها مسيرة خمسمائة عام.. كما توجد آيات كثيرة تخبرنا بأن السماء «فوق» رؤوس البشر وأنها مالها من «فروج» {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج} - بمعنى خلقها متماسكة مصمتة من الداخل أينما نظرت اليها. وهذا المطلب لا يتحقق إلا إذا كانت السماء كروية من الداخل لأن أي شكل هندسي آخر يقتضي وجود فروج ومداخل من أطرافها..! ما يبدو لي أن علم الفلك - رغم القفزة الهائلة التي حققها في الخمسين عاما الماضية - مازال وليدا يحبوا ومازال بعض العلماء فيه يعيشون في فترة (تسطح الأرض)!!.