قبل سبع سنوات تقريبا كتبت مقالا بعنوان (الكون ليس مسطحا) اعترضت فيه على ادعاء ناسا بأن الكون مسطح وليس كروي الشكل ؛ ففي ابريل (من عام 2000) عرضت وكالة ناسا لعلوم الفضاء صورا تعتبر الأقدم للكون وتثبت - حسب ادعائها - أنه مسطح الشكل وليس كروياً كما كان يعتقد !! ورغم أن "الصورة خير من ألف شاهد" إلا أنني لم أتقبل حينها هذا الادعاء لعدة أسباب: - الأول: أنه لايتوافق مع نظرية توسع الكون جراء انفجار مركزي قديم .. وهي نظرية صلبة يساندها قوله تعالى (والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون) . - والثاني: أن افتراض شكل غير كروي للكون (كشكل صندوقي أو اسطواني أو هرمي مثلا) ينافي المنطق ويتعارض مع مانراه في كل مظاهر الحياة .. فالكواكب والنجوم كروية ومداراتها دائرية. وأجسام الحيوانات والنباتات وأشكال الفواكه والثمار والمخلوقات دائرية أو كروية الشكل، بل نلاحظ شيوع هذا الشكل حتى في المخلوقات المجهرية وبيوض الأحياء وأصداف البحر وتوزيع تويجات الزهرة .. وهذه كلها أدلة تثبت بأن الشكل الدائري والكروي هو المناسب في بساطته ومتانته (كما في البيضه والجمجمة) وتلقائي في تبلوره ومساره (كما هو شكل أي انفجار) وبالتالي يصعب تصور الكون بأي شكل آخر ..!!!؟ - أما الثالث فهو وجود أحاديث كثيرة تشير إلى كروية السماوات وإحاطتها ببعضها (كسبع طبقات) .. وكذلك وجود آيات تخبرنا بأن السماء "فوق" رؤوس البشر وأنها مالها من "فروج" - بمعنى خلقها متماسكة مصمتة من الداخل أينما نظرت اليها.. وهذا المطلب لا يتحقق إلا إذا كانت السماء كروية لأن أي شكل هندسي آخر يقتضي وجود فروج ومداخل من أطرافها.. قال تعالى :(أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج)! ... أضف لهذا جاء عن ابن كثير في البداية والنهاية قوله (في ذكر مايتعلق بخلق السماوات): وقد اتفق ابن حزم وابن المنير وأبو الفرج وابن الجوزي وغير واحد من العلماء على أن السماوات كرة مستديرة . وجاء في نفس الباب: ذكر تعالى أنه خلق سبع سماوات طباقاً، أي واحدة فوق واحدة، واختلف أصحاب الهيئة: هل هن متراكمات أو منفصلات بينهن خلاء، والصحيح أن بينهن خلاء لما قدمنا من حديث عبد الله بن عميرة في حديث الأوعال.(انتهى كلامه)! وأذكر حينها أنني علقت في نهاية ذلك المقال بقولي (.. ولهذه الأسباب يتملكني شعور قوى بأن ناسا ستعدل عن رأيها بعد حين) ... واليوم عدلت ناسا عن رأيها بالفعل وأعلنت قبل أيام عن دلائل جديدة تشير إلى كروية الكون ... وهذه الدلائل (التي نشرت مؤخرا في مجلة Journal Nature) تعتمد على خرائط حديثة مستقاة من مسح إشعاعي لأطراف الكون تتبناه الوكالة. وهذه الخرائط لا تثبت فقط كروية الكون بل وتثبت إحاطته بغلاف واضح وقطر محدد يبلغ 70بليون سنة ضوئية .. والعجيب أكثر ؛ أن هذا القطر - رغم ضخامته - يعد صغيرا ومحصورا بالمعايير الفلكية . وهو أمر جعل العلماء في ناسا لا يستبعدون وجود (عدة) أكون مختلفة تسبح كفقاعات - بقرب بعضها البعض - في فراغ لايعلم حدوده إلا الله !