قرأت ذات يوم إحصائية تفيد بأن أكثر شعبين يستعملان القطارات في العالم هما اليابانيون والسويسريون.. وأذكر حينها أنني تعجبت من هذه المفارقة كون اليابانيين أفضل من يصنع السيارات، والسويسريون يملكون أموالاً تتيح لكل مواطن شراء سيارتين أو ثلاث.. وكان استنتاجي في محله؛ فاليابانيون والسويسريون لا يملكون فقط سيارات أكثر منا، بل وثقافة تشجع على استخدام وسائل النقل العام (للتقليل من الهدر المالي والكربوني من جهة، وتلافي مشاكل الازدحام وقلة المواقف وارتفاع الوقود من جهة أخرى)!! وفي المقابل نكاد نحن نغرق في بحر من السيارات دون أن نملك لا شبكة نقل عام ولا ثقافة تشجع على استخدامها. ولأن السيارة هي خيارنا الوحيد استوردنا العام الماضي قرابة المليون منها تفوق قيمتها الإجمالية 82 مليار ريال !! وحسب مصلحة الإحصاءات العامة استوردنا بين عامي 2009 و 2013 أكثر من 4 ملايين سيارة - ربعها تقريباً صب في شوارع الرياض - تضاف لأكثر من 12 مليوناً موجودة أصلاً.. والنتيجة أن مليون سيارة أصبحت تخرج في كل صباح للمدارس ومقار العمل في الرياضوجدة (ثم نستغرب سبب الازدحام والاختناقات المرورية)!! وفي حين سبقت الصين بقية العالم في إنتاج السيارات (متقدمة على اليابان وأمريكا ب16 مليون سيارة) سبقناهم نحن في معدل الاستيراد لدرجة استأثرت السيارات وحدها ب13% من اجمالي قيمة الواردات لدينا.. أصبحنا منذ التسعينات أبطال العالم في استهلاك قطع الغيار والزيوت والوقود (والسائقين) ناهيك عن احتلالنا المركز الأول في السمنة والترهل ووفيات الحوادث.. ماذا تتوقع حين تخرج من كل بيت خمس سيارات كبيرة - واحدة للسائق والثانية للأب والبقية للمراهقين.. اعتمادنا المتزايد على السيارات ترتب عليه جملة من المشاكل البيئية والاقتصادية والاجتماعية - بدءاً من الازدحام والاختناقات المرورية، وانتهاء بارتفاع نسبة الحوادث واستقطاع جزء من ثروتنا النفطية!! على أي حال؛ الحل مايزال متاحاً وجربته دول كثيرة قبلنا.. الحل يكمن في تفعيل شبكة النقل العام - من جهة - ورفع سعر الوقود وفرض رسوم للمواقف ومنع السيارات من دخول المواقع المكتظة - من جهة أخرى.. وأنا شخصياً زرت مدناً أكبر بكثير من الرياض (مثل طوكيو وساباولو وبكين) دون أن أرى فيها مثل هذا الازدحام.. والسبب أن الباص الواحد يغني عن 40 سيارة خاصة، والمترو الواحد عن 400 سيارة نقل - في حين يمكن لقطارات الضواحي التي تعمل على مدى60 كلم توفير مساحات جديدة للسكن خارج المدن (ولآلاف العائلات) دون البعد عن المدينة.. وفي حال امتلكنا نحن حلولاً مماثلة لا يخفف هذا فقط من ظاهرة الازدحام والتلوث، بل ويوفر لنا(ولنسائنا) بيئة نقل آمنة وسريعة وخالية من المنغصات.. لن تقل لدينا فقط نسبة الاعتماد على السيارات، بل وستنال الدولة عائداً مجزياً(يوجه للتوسع في شبكة النقل العام) بدل الاستمرار في دعم البنزين والديزل.. وحتى تكتمل منظومة النقل العام لدينا، بقي دورك أنت: هل لديك الاستعداد لترك سيارتك واستقلال المترو كما يفعل رجل الأعمال الياباني أو الثري السويسري!؟