الدرن أو السل تسببه جرثومة تعرف باسم Mycobacterium Tuberculosis . هذه الجرثومة هي المسؤولة عن قتل ما يزيد عن مليون إنسان سنوياً وهي المسؤولة أيضاً عن إصابة ثلث سكان المعمورة وهي التي اتحدت مع فيروس نقص المناعة لتشكل عدوى شرسة ضد بني آدم. وعند كثير من الناس هذه الجرثومة هي مجرد جرثومة ولكن عند التمحيص والتدقيق، نستطيع القول إن هذه الجرثومة ليست مجرد جرثومة. فلقد أصبح معروفاً لدينا أن هذه الجرثومة تتكون من قبائل (تجاوزا) ست كلها تفرعت من أم واحدة ولربما هذه الأم كانت مسالمة إلى حد ما. او كانت لا تريد ان تقضي على العنصر البشري حتى تتمكن هي الأخرى من البقاء على قيد الحياة. هذه القبائل الست عرفت بأماكن تواجدها وهي كالتالي: سلالة المحيط الهندي Indo –Oceanic شرق آسيا East-Asian شرق أفريقية هندية East African- Indian الأميركية الأوروبية Euro –American أفريقيا الغربية-1 West African-1 أفريقيا الغربية-2 West African-2 والمذهل حقاً هو أننا نجد هذه القبائل الرئيسة أصبح لديها تفرعات (أفخاذ) قد تصل إلى 34 فخذاً لكل قبيلة بحسب ما توصل إليه العلم حتى هذه اللحظة وقد تزداد في المستقبل وكل فخذ لديه فصائل ناتجة عنه. طبعاً كل هذه التصنيفات القبيلية والفخذية والفصيلية لجرثومة الدرن لم تأت اعتباطاً بل جاءت نتيجة بحوث علمية مضنية ونتج عن هذه البحوث، التعرف على صفات وراثية تخص كل قبيلة وفخذ وفصيل، ومن ثم صفات وراثية أخرى تخص الأفخاذ والفصائل كلا على حده. تأتي هذه الصفات الوراثيه على شكل إما إضافة جينات او حذف اخرى وتكون موجودة فى الأم. وعادة تستخدم هذه التغيرات لقياس ما نطلق عليه (Evolution) - اسم التطور ولقد سبق لنا نشر ورقة علمية تظهر خاصية التطور بوضح حيث كشفنا عن فصائل خمسة لجرثومة واحدة قد عزلت من شخص واحد ولكن من خمسة مواضع مختلفة فى جسمه. والصفات الوراثية التي تميز كل قبيلة وكل فخذ وفصيل أصبحت الآن معروفة ولكنها أي هذه الصفات قد تتحور مرة أخرى أو مرات عديدة لتنتج لنا أفخاذاً جديدة تحت كل فخذ سابق وهى لن تقف عند حد. جدير بالذكر أن تحور الصفات الوراثية تتحكم به عوامل عدة: من أهمها البيئة الجغرافية والبيئة الجسدية، والمقصود بالأخيرة هنا هي البيئة داخل جسد الإنسان بعد الإصابة بالأم أو الفخذ او الفصيل. نعم بيئة الإنسان تعرض الجرثومة لتغيرات وراثية يسببها إما الجهاز المناعي أو تعرض الجرثومة للعلاج. وكل من الجهاز المناعي والعلاج يعملان على تخليص الجسم من الإصابة، ونتيجة المقاومة (أي مقاومة الجرثومة) من أجل الحياة تظهر هذه التحورات وإعادة ترتيب الصفات الوراثية حتى تتم مراوغة كل من العلاج والجهاز المناعي ليصبحا أقل فاعلية. ولقد ثبت لدينا أن هذه الأفخاذ والفصائل عند اكتسابها صفات وراثية تؤثر سلباً على الجهاز المناعي بحيث لا يفرز - المواد المناعية المطلوبة للتحكم أو التخلص من الجرثومة وبمعنى اخر الجهاز المناعي يعطل عن العمل نتيجة تداخل المورثات المكتسبة الجديدة معه. وثبت لدى العلماء أن بعض هذه الفصائل أصبحت تحمل الجينات المعطلة للجهاز المناعي ومن ثم أصبحت قادرة على الإمراض. إن ظهور سلالات جديدة (أفخاذ وفصائل) أمر مقلق للغاية لعلماء الأبحاث والأطباء لأنه أصبحت بعض هذه السلالات شرسة للغاية ويصعب علاجها وما زلنا نواجه تحورات وراثية بشكل مستمر ومن ثم ميلاد فصائل وسلالات جديدة قد تكون كلها مقاومة للعلاج او تكون فتاكة بمعى تزداد قدرتها الإمراضية. وتعدد هذه السلالات وكثرتها قد يستلزم علاجا خاصا لكل سلالة وقد يستلزم علاجا شخصيا (Personal Medicine). ونحن هنا في المملكة العربية السعودية يوجد لدينا معظم هذه العوائل والأفخاذ والفصائل الدرنية بما فيها من مشاكل وتعقيدات. وهذه العوائل والفصائل وفدت الينا مع بعض الوافدين باعتبار أن بلدنا كريم ومعطاء يقدم إليه الناس من كل حدب وصوب طلباً للرزق وأيضاً شرفنا الله بوجود الحرمين الشريفين اللذين هما مأوى أفئدة المسلمين. ما يقلقني هنا هو ورود هذه السلالات وتعرضها لبيئتنا مما قد ينتج عنه سلالات قد تكون أشد ضراوة من أمهاتها وبالتالي تكون اشد إمراضا او اشد مقاومة للعلاج. فهل نحن مستعدون لمحاربتها؟. أسأل الله أن يحمي بلادنا من كل مكروه.