في مساء 25 أبريل 2007 وبينما كان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يهم بمغادرة سلطنة عمان متوجهاً إلى المملكة، أُبلغ بعدم قدرة المسؤولين السعوديين على استقباله "لأسباب فنية"... لكن الرسالة وصلت. يعيش الواقع السياسي الحالي بين الرياض وبغداد في مدّ دائم، فالمملكة التي عاشت في عهد صدام حسين على واقع مضطرب ومتذبذب بين صداقة وعداوة، هاهي تبدو في حالة شبه قطيعة. فلماذا؟ تؤمن النخب السياسية في المملكة أن العراق الذي سقط في أيدي جنود الولاياتالمتحدة وتلقفته طهران غنيمة لم تكن تحلم بها يعيش على واقع نظام طائفي، ويبدو ذلك جلياً في خطابات السياسة الخارجية السعودية التي ترجع ما يحدث بين العراقيين إلى التطرف المذهبي، فعندما يصف رئيس الحكومة العراقية بأن ما يحدث في الفلوجة قتال بين أتباع الحسين وأتباع يزيد، فإن لذلك دلالة واضحة على حرص فصيل سياسي على إيجاد فصل بين مكونات الشعب على أساس الهوية، ونكء الجروح على واقع قصص قديمة، إذ يفترض برئيس الحكومة أن يكون المآل والملجأ لأي تمزق يحدث في النسيج الاجتماعي إلا أن العكس هو ما يحدث. بعيداً عن ذلك لم تتدخل المملكة في العراق ونأت بنفسها عن حاله حتى إنها تلام كثيراً على ذلك، ولم ترسل بعثة دبلوماسية إلى بغداد إلا قبل حوالي العامين وبضغوط حاول السياسيون في بغداد ممارستها على الرياض بإرسال موفدين على أعلى المستويات في محاولة لإقناع المملكة بضرورة أن تمثل بوفد رفيع وهو الذي لم يحدث فثارت ثائرة بغداد. وبالرغم من الأهمية الجيوسياسية للعراق بالنسبة للمملكة، فالحقيقة أن التوجه الحالي للمملكة في سياستها تجاه هذا البلد لا يبدو واضحاً نتيجة للارتباك السياسي الشديد في بغداد، وعلى الرغم من ذلك لم يقفل الجانبان جميع القنوات، فالقنوات التجارية والأمنية تنشط من وقت إلى آخر، وهذا مرده إلى واقع الجوار والحاجة المتبادلة. في هذا الإطار لا يمكن إهمال الدور الايراني الكبير في بغداد، وبالرغم من تعليقات المسؤولين العراقيين بأن العراق سيد قراره فإن هذا لا يبدو واضحاً، فما معنى تسابق بعض السياسيين إلى طهران للحصول على الدعم السياسي قبيل الانتخابات المرتقبة، وهنا ننقل عن مقتدى الصدر الذي أخبره الإيرانيون أنهم لا ينوون تقديم دعم لرئيس الوزراء الحالي نوري المالكي في الانتخابات المقبلة، إذن دعم طهران مهم للوصول إلى دوائر صنع القرار في بغداد. فلماذا؟ الحقيقة أن إيران ترغب في تقديم تنازلات إن كان إيفاء بوعودها تجاه الجوار أو خطوة أخرى تجاه واشنطن، فالرئيس أوباما الذي سحب قواته أخيراً من بغداد يخشى من انفلات أمني ينهي ما حققته "إستراتيجية بيترايوس" التي تبدو اليوم أمام محك حقيقي في الأنبار التي طردت القاعدة عن محيطها إلا أنها تعاني اليوم، فالمالكي ينوي تقديم نفسه كمحارب للإرهاب ويبدو أن واشنطن ستقدم المساعدة بالرغم من تصريحات وزير العدل العراقي حسن الشمري بأن مسؤولين أمنيين ساهموا في هروب أعضاء من القاعدة من سجن أبوغريب، وهذا يفتح باب التأويلات على مصراعيه.