عدت قبل أيام من رحلة طويلة في أمريكا الجنوبية استغرقت أربعين يوماً زرت خلالها خمس دول (ويمكنني الادعاء أنها ست دول كوني دخلت بوليفيا لبضع ساعات فقط).. ورغم أنني عدت بكم هائل من التجارب والخبرات (ناهيك عن 2457 صورة) لست من النوع الذي يسارع للكتابة عما رآه أو شاهده بالأمس.. فأنا ببساطة أحتفظ بتجاربي الخاصة حتى تأتي "مناسبة" أكتب فيها بأثر رجعي لإضافة شيء من العمق والمصداقية والخبرة الشخصية على الموضوع الذي أرغب بمناقشته.. لهذا السبب أخشى أن الأربعين يوماً لن تتمخض عن أكثر من موضوعين خلال هذا الشهر على الأقل كون تأثيرهما مايزال قوياً في ذهني، وبسببهما تتحرك أناملي كلما اقتربت من لوحة الكمبيوتر... الموضوع الأول عن أصدقاء من "أهل البلد" تعرفت عليهم هناك كان لهم الفضل في اطلاعي على أسرار وخفايا لا يمكن لأي سائح معرفتها.. والثاني عن الشلالات الفاصلة بين البرازيل والأرجنتين التي تعد واحدة من أعظم الأعاجيب الطبيعية على كوكب الأرض (وأعدكم بالكتابة عنها خلال الأيام القادمة)... فبخصوص الموضوع الأول أشير إلى أن أكثر ما يجذبني في الدول الأخرى هو الناس، وطبيعة الشعوب، واختلاف الثقافات، وتنوع الأمزجة وتتقدم لديّ على جمال الطبيعة، وتطور البلد، وتنوع المواقع التراثية والترفيهية.. بكلام آخر.. أعشق الزحمة، والحديث مع الناس، والتجول معهم وتناول الطعام في منازلهم.. وإن سألتني اليوم عن أبرز عوامل الجذب السياحي التي مررت بها في حائل أو جيزان مثلاً سأجيبك بلا تردد: طيبة وكرم وعفوية الناس فيها!! لهذا السبب أحرص قبل سفري إلى أي مكان إلى التعرف مسبقاً(من خلال الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي) على أشخاص من أهل البلد لمرافقتي في جولاتي السياحية وتعريفي على أسرار لا يمكن لغير المواطن معرفتها إيماناً مني بمقولة أهل مكة أدرى بشعابها.. تخيل معي كم ستكون رحلتك غنية وثرية وجميلة حين يكون لديك صديق في جيزان أو نجران أو الدمام يستقبلك في المطار أو يمر عليك ثاني يوم في الفندق ليأخذك بجولة في سيارته ثم ينتهي بك الحال بتناول طعام العشاء في منزله أو منزل والدته.. وفي المقابل لن تكسب الكثير حين تصرف الكثير على فندق خمس نجوم فتحبس نفسك في قفص ذهبي، أو تذهب وتأتي داخل فقاعة تعزلك عن الآخرين وكثيراً ما أشبّه هذه النوعية من السياح بمن يذهب إلى فرنسا ولا يرى الفرنسيين!! وبطبيعة الحال لا يتطوع الجميع لمرافقتك مجاناً، ولكن أي ثمن تدفعه يصغر أمام التجربة التي ستتحصل عليها بهذه الطريقة.. ولأنني لا أنوي إعادة سرد تجاربي القديمة أرجو منكم البحث في الإنترنت عن مقال بعنوان "أصدقاء حول العالم" لاستكمال الفكرة وفهمها بشكل أفضل.. أما بخصوص رحلتي الأخيرة فسأستعرض معكم أبرز الأسماء التي رافقتني هناك وكيف أن لكل منهم قصة تستحق الذكر في مقالي القادم...