من أسرار السفر - التي تعلمتها للأسف متأخرا - محاولة التعرف على "مواطن" من أهل البلد قبل زيارته. صحيح أن القراءة والاطلاع المسبق أمر مهم.. ولكن ليس مثل مواطن أو مقيم يعرف مدينته جيدا ويكشف لك كافة أسرارها وخباياها!! وأنا شخصيا أتذكر جيدا متى اتخذت أول قرار بتبني هذه العادة؛ ففي عام 2001 سكنت في أحد بيوت الشباب في ستوكهولم (وكان عبارة عن سفينة قديمة راسية في الميناء تدعىaf chapman). ولأنه كان خاصا "بالشباب".. ولأن كل غرفة تتضمن ستة أسرة.. كانت دهشتي عظيمة حين عدت لغرفتي ووجدت على سريري فتاة سويدية جميلة (لم تكن بحاجة لأكثر من 3 فولت لتضيء من تلقاء ذاتها)! أذكر أنني ارتبكت وتراجعت معتقدا أنني دخلت بالخطأ قسما للفتيات، ولكنها ابتسمت وبادرتني بالسؤال هل هذا سريرك؟ قلت: نعم، فقامت معتذرة وجلست على سرير آخر وقالت أنا هنا بانتظار صديقي "هميد"... وحين قالت هميد فهمت كل شيء. ف "هميد" (أو حميد) شاب تركي كان يسكن معنا في نفس الغرفة.. وكان قد أخبرني أنه أحب فتاة سويدية عبر الانترنت فتقدم لخطبتها وحضر شخصيا لزيارة عائلتها في ستوكهولم.. غير أنهما - لسبب ما - لم يتقابلا في المطار ولم تعرف أين ذهب إلا في اليوم التالي. ولم يمض وقت طويل حتى حضر هميد بنفسه والتقيا لأول مرة أمامي.. ولأول مرة شاهدت في حياتي مسلسلا تركيا يعجز عن أدائه "مهند" و"لميس"!! .. وحين ذهبا لم يهتما بتوديعي، ولكنني تعلمت أهمية التعرف على مواطن من (أهل البلد) قبل زيارة البلد ذاته!! .. وأرجو ألا يذهب تفكيركم بعيدا؛ فإذا استثنينا حقيقة أنها فتاة - وركزنا على الجانب السياحي فقط - نكتشف أن هميد ضرب أربعة عصافير بحجر واحد.. فقد تخلص من إيجار الفندق، وتعرف على عائلة جديدة في بلد غريب، واكتسب مرشدا سياحيا يعرف أسرار مدينته جيدا، ناهيك عن خفض نفقات رحلته كون مشتريات السائح أغلى دائما من مشتريات المواطن!! .. ولأنني أتعلم دروسي بسرعة؛ أملك اليوم عددا كبيرا من الأصدقاء الذين تعرفت عليهم قبل سفري، وأحيانا فور وصولي للبلد المقصود.. - فعلى سبيل المثال: قبل سفري للصين في مطلع 2011 تعرفت على شاب جامعي يدعى شوانغ رافقني لعدة أيام في شنغاهاي والمناطق المحيطة بها.. وقبل سفري لبكين اتصل على مرشدة سياحية تدعى ليوخو تعرفت بفضلها على أسرار لا يعرفها السياح في بكين (بل وحققت أمنيتي بالمبيت في منزل عائلة صينية كما يتضح من صوري على الفيسبوك)! أما في مصر فتعرفت على سائق تاكسي يدعى كريم أكلت في بيته ملوخية وأخبرني بأغرب قصة سمعتها في حياتي (ابحث عنها في الانترنت بعنوان: ثرثرة سائق تاكسي).. وفي اندونيسيا تعرفت على شاب يدعى علي أخذني من فندق "جراند حياة" للسكن في بيت والدته المتواضع في قرية لم يدخلها غريب (وابحث عن مقال: لماذا لا تضيفني في منزل والدتك). أما من اليابان فتعرفت (عن طريق الانترنت) على شاب يدعي سايشوتسي استغرب معرفتي الواسعة بالشعب الياباني - الذين أعتبرهم أصدقاء سفر من فرط ما أراهم في الخارج (علما أنني تواصلت حاليا مع 17 طالبا سعوديا في اليابان وكوريا استعدادا لرحلتي القادمة في نوفمبر)!! .. وهذه كلها مجرد "نماذج" لصداقات مسبقة كررتها كثيرا في رحلاتي التالية (بعد حادثة استوكهولم).. والجميل فعلا أن التعرف على مواطنين في الخارج لا يتعلق فقط بالجانب السياحي والاقتصادي، بل وأيضا بروعة التعارف البشري، والاطلاع الثقافي، وامتلاك أصدقاء من مجتمعات مختلفة!! .. وفي الحقيقة؛ لا تحتاج للذهاب لأي بلد لتدرك مغزى كلمة تعارفوا في قوله تعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".