يمكن فعلاً للجهد الحكومي التقليدي أن يتطور، يمكنك قول ذلك بثقة كبيرة حينما تهم بمغادرة مبنى الأحوال المدنية الرئيسي في وسط العاصمة الرياض، وقبل أن تخرج من المكان، ستلتفت إلى المبنى التفاتة ملؤها القناعة بأنك لم تكن هذا النهار مجرد "مراجع" لدائرة حكومية تقليدية، وإنما سيتملكك شعور كبير بأنك عُوملت كما يعامل كبار العملاء في أحد المصارف الكبيرة. تبدأ قصة الشعور تلك بمجرد دخول المواطن إلى مبنى الأحوال المدنية، فكل شيء في المبنى يوحي بأنك في مكان عمل للإنجاز فيه اليد الطولى، فبالرغم من الحشود الكبيرة من المواطنين كل حسب سبب قدومه لمبنى الأحوال المدنية، إلا أن الصمت يعم المكان، أقلام تكتب لتعبئة النماذج، وموظفون مهطعو رؤوسهم يدققون في السجلات اليدوية أو في شاشات الحاسبات. ويفرض تباين الفهم والإدراك في أوساط المراجعين حالات من المواطنين الغاضبين، وآخرون متذمرون من وقوف النظام حجر عثرة في سبيل رغبات كانوا يريدونها من بعض الإجراءات التي لا يجيزها النظام، مما يحدو بهم إلى الصراخ أحياناً تعبيراً عن التذمر، إلا أن ثقافة كبيرة وظاهرة لأصول التعامل مع المراجعين كانت تعتري الغالبية العظمى من الموظفين أمام تلك الحالات المتذمرة. تبدو ثقافة احترام المراجعين ظاهرة بشكل كبير في مبنى الأحوال المدنية، فلا طوابير، ولا وقوف يفتر الركب، ولا بيروقراطية تعقد الأمور، مقاعد للمراجعين، وأرقام تعلنها شاشات معلقة كتلك التي في الجهات الخدمية في القطاع الخاص، وموظفون جلهم يجيد الابتسامة في وجه المراجع. قد تبدو تجربة الأحوال المدنية لا تضاهى في التحرر من البيروقراطية الحكومية، والنفس الحكومي البارد في تقديم الخدمات للمواطنين، فقد ارتقت الأحوال بخدماتها من مستوى الخدمات الحكومية المجانية التي دائماً ما تتصف بالتعقيد والبرود، إلى مستوى الخدمات الراقية التي ظلت الجهات الخدمية في القطاع الخاص تنفرد بها لعقود. وباستثناء أزمة المواقف، وخدمات تصوير الوثائق والتي يستغل فيها الناس هناك لدى البوابة الخارجية، فإن زيارة مبنى الأحوال المدنية في شارع الوشم تكاد أن تقترب من أن تكون ممتعة حقاً. لا وجود للطوابير الكبيرة