منذ سنوات تجري المحاولات لمواجهة مشكلة تعليق الإعلانات في الشوارع التي توضع دون مراعاة القوانين المنظمة لها، ومحاربة ظاهرة توزيع المنشورات الدعائية بشكل عشوائي والتي تتسبب في تشويه منظر المدينة، وتلويث البيئة، كما سبق أن منعت وزارة التجارة مرشحي الغرف التجارية من تعليق الصور واللوحات الدعائية في الشوارع والميادين، واستخدام بدلا عنها وسائل التواصل الإلكتروني والمباشر، وكالعادة تواجه مثل هذه الأنظمة وغيرها من القوانين الحضارية بالاعتراضات والمخالفات دون محاولة تفهم أبعادها، والتعاون في التقيد بها. ومع أن اللافتات الإعلانية تعتبر أمراً مألوفاً في معظم دول العالم، إلا أن البرازيل اتخذت منذ سنوات موقفاً متشدداً تجاهها محاولة بذلك مواجهة ما يسمى بالتلوث البصري، فقد أصدرت قوانين صارمة تحظر فيها الإعلانات التجارية في الشوارع بما فيها الإعلانات على سيارات الأجرة والحافلات والقطارات والإبقاء على الإعلانات المثبتة على ممتلكات الحكومة مثل محطات الحافلات، ولافتات الشوارع وصناديق البريد والقمامة وغيرها، مع السماح بوضع لافتات المحلات التجارية والمطاعم ضمن مواصفات محددة، كما قامت بإزالة الآلاف من اللوحات الدعائية عملاً بما يسمى (قانون المدينة النظيفة). وقد تولدت فكرة الحظر عندما أعلن محافظ مدينة ساوباولو القانون الجديد، وأوضح أنه ستتاح بالمقابل مجالات للفن والزخرفة على الجدران، وهو بذلك يتيح الفرصة لاستخدام وسائل مختلفة للإعلانات تجعل من ساوباولو مدينة نابضة بالحيوية والسعادة بعد أن تستعيد المناظر الطبيعية الجميلة التي أخفتها وشوهتها تلك الإعلانات. ومع أن هذا القانون كان مثاراً للجدل والاستغراب، وواجه كثيراً من الاحتجاجات والانتقادات خصوصاً وأن قطاع الإعلان من القطاعات المنتجة التي تستوعب أعداداً كبيرة من العاملين، إلا أنه عد خطوة رائدة لمقاومة النزعة الاستهلاكية في دولة تعاني من مشكلات الفقر، وقد أشاد أحد الكتاب بذلك القانون حيث اعتبره "انتصاراً للمصلحة العامة على الخاصة، وللنظام على الفوضى، وللجمال على القبح، وللنظافة على القذارة.." وتوقع آخر أن الأجيال القادمة سوف تشكر الإدارة على هذا الحظر الذي سيكون بداية لمواجهة كل أنواع التلوث الذي تعاني منه المدينة، وبالفعل أبدت نسبة كبيرة من سكان المدينة رضاها عن النتيجة بعد سنوات من تطبيق القانون. هكذا هو النهج الجاد لتغيير الأنماط الثقافية والاجتماعية غير المقبولة في المجتمعات، وهذه هي الإرادة السياسية المستقلة الكامنة وراء أي تغيير، الإصرار والاستمرار على تحقيق الهدف مهما كان الثمن، فكل إصلاح يحتاج إلى عزيمة وتضحيات وتحمل للمسؤولية، وأي محاولات للتحسين في أي مجال دون جهد وصبر ومتابعة ستكون مجرد كلام في الهواء، وحبراً على ورق لا يأتي بأي نتيجة، فهي كما قال الشاعر: ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس