البنك السعودي الأول يحقق 2.1 مليار ريال سعودي صافي دخل    خادم الحرمين وولي العهد يهنئان رئيس جمهورية جنوب أفريقيا بذكرى يوم الحرية لبلاده    60 ٪ من النساء أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة العش الفارغ مقارنة بالرجال    هيئة كبار العلماء تجدّد التأكيد على فتوى وجوب استخراج التصريح لمن أراد الذهاب إلى الحج    بلدية القطيف تطلق "مبادرة التوت القطيفي" بمشاركة 80 متطوعاً    مبادرة لتنظيف بحر وشاطئ الزبنة بمشاركة واسعة من الجهات الحكومية والتطوعية    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    "بر الشرقية" تُجدد التزامها المجتمعي في اليوم العالمي لليتيم 2025 م        بدرية عيسى: شغفي بالكلمة دفعني لمجال الإعلام.. ومواقع التواصل قلب نابض بحرية التعبير    افتتاح مستشفى الدكتور سليمان فقيه بالمدينة المنورة: أحدث التجهيزات وأفضل الخبرات لأفضل تجربة رعاية صحية    القيادة تعزي الرئيس الإيراني في ضحايا انفجار ميناء رجائي بمدينة بندر عباس    أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق بالمملكة    حسين الشيخ نائبا للرئيس الفلسطيني    قلصت الكويت وقت الإقامة والصلاة في المساجد ؟ توفيرا للكهرباء    أمير عسير: نجاحات متتالية لمستهدفات طموحة    ينتظر الفائز من السد وكاواساكي.. النصر يقسو على يوكوهاما ويتأهل لنصف النهائي    أمير الشرقية: إنجازات نوعية لمستقبل تنموي واعد    تغلب على بوريرام بثلاثية.. الأهلي يضرب موعداً نارياً مع الهلال في نصف نهائي النخبة الآسيوية    أمير نجران: ترسيخ مكانة المملكة بين الدول    381 ألف وظيفة في قطاع التقنية.. 495 مليار دولار حجم الاقتصاد الرقمي السعودي    حددت الشروط والمزايا..اللائحة الجديدة للاستثمار: تخصيص أراضٍ وإعفاءات رسوم للمستثمرين الأجانب    أمير جازان: آفاق واسعة من التقدم والازدهار    الآبار اليدوية القديمة في الحدود الشمالية.. شواهد على عبقرية الإنسان وصموده في مواجهة الطبيعة    ضبط أكثر من 19.3 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    "المنافذ الجمركية" تسجل 1314 حالة ضبط خلال أسبوع    خادم الحرمين: نعتز بما قدمه أبناء الوطن وما تحقق جعل المملكة نموذجاً عالمياً    المملكة تفتح أبواب جناحها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025    برعاية سمو وزير الثقافة.. هيئة الموسيقى تنظم حفل روائع الأوركسترا السعودية في سيدني    أمة من الروبوتات    الأردن.. مصير نواب "العمل الإسلامي" معلق بالقضاء بعد حظر الإخوان    تفاهمات أمريكية سورية ومساعٍ كردية لتعزيز الشراكة الوطنية    إطلاق مبادرة "حماية ومعالجة الشواطئ" في جدة    فخر واعتزاز بالوطن والقيادة    خطى ثابتة نحو مستقبل مُشرق    الجبير يترأس وفد المملكة في مراسم تشييع بابا الفاتيكان    اللواء عطية: المواطنة الواعية ركيزة الأمن الوطني    1500 متخصص من 30 دولة يبحثون تطورات طب طوارئ الأطفال    الأميرة عادلة بنت عبدالله: جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان عززت المنافسة بين المعاهد والبرامج    برشلونة يكسب "كلاسيكو الأرض" ويتوج بكأس ملك إسبانيا    مدرب كاواساكي: قادرون على التأهل    المملكة تقفز عالمياً من المرتبة 41 إلى 16 في المسؤولية الاجتماعية    تدشين الحملة الوطنيه للمشي في محافظة محايل والمراكز التابعه    رئيس مركز الغايل المكلف يدشن "امش30"    الذهب ينخفض 2 % مع انحسار التوترات التجارية.. والأسهم تنتعش    الحكومة اليمنية تحذر موظفي ميناء رأس عيسى من الانخراط في عمليات تفريغ وقود غير قانونية بضغط من الحوثيين    قدراتنا البشرية في رؤية 2030    اكتشاف لأقدم نملة في التاريخ    800 إصابة بالحصبة بأمريكا    فواتير الدفع مضرة صحيا    الذكور الأكثر إقبالا على بالونة المعدة    الأهلي يكسب بوريرام بثلاثية ويواجه الهلال في نصف نهائي النخبة الآسيوية    القيادة تهنئ تنزانيا بذكرى يوم الاتحاد    السعودية تعزي إيران في ضحايا انفجار ميناء بمدينة بندر عباس    32 مليون مكالمة ل 911    وزارة التعليم تستعرض منصاتها في معرض تونس الدولي للكتاب 2025    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف يلتقي مديري عموم الفروع    الشيخ صلاح البدير يؤم المصلين في جامع السلطان محمد تكروفان الأعظم بالمالديف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللحظة بين كتابة الشعر وإحساس الشاعر
نشر في الرياض يوم 21 - 12 - 2013


قالت الشاعرة شريفة عبدالله:
لودريت أن الهوى بحره شقا
كان ماخليت لك قلبي حنين
الوقت لو يرجع بعمري مدى
كان ما أعلنته وخليته يبين
أه من ضحى يعيش بلا عطا
تضحيه ماتت وهي في حالتين
حالةٍ تهوى وهي تطلب نسا
ومقتلٍ بعيونك اللي ماتلين
التهيت بغير قلبي وانقضا
عمري اللي من سواياتك حزين
العمر لحظه وأنا عشته عنا
في زمن ما أعطى عيوني إلا أنين
يذكر الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار (1884–1962م) أن الشِّعر هو ميتافيزياء لحظية، إذ يجب أن يعطي في قصيدة قصيرة رؤيةً للعالم وسِرَّ نفسٍ وكائن وأشياء، اي أن الكل دفعةً واحدة، وإذا كان يتبع في بساطة زمن الحياة فهو أقل من الحياة ولا يمكن له أن يكون أكثر من الحياة إلا بتثبيت الحياة.. إلا بأن يحيا في مكانه.. ديالكتيك الأفراح والمكابدات، إنه إذن مبدأ تزامُن ماهوي حيث يفوز الكائنُ الأكثرُ تفكُّكًا والأكثر تشتُّتًا بوحدته، وأنه حين تنحصر جميعُ التجارب الميتافيزيائية الأخرى في مقدِّمات لا تنتهي، يرفض الشعرُ التمهيدات والمبادئ والمناهج والبراهين.. إنه يرفض الشكَّ، إنه على الأكثر في حاجة إلى استهلال صمت في بداية الأمر إذ يدق على كلمات جوفاء، يُصمِتُ النثرَ والدندناتِ التي قد تترك في نفس القارئ استمراريةَ فكرة أو تمتمة، ومن ثمَّ وبعد الرنَّات الفارغة ينتج لحظتَه، وكي يبني الشاعر لحظةً مركَّبة، كي يَعْقِد في هذه اللحظة تزامناتٍ عديدة فإنه يقوِّض استمرارية الزمن المقُيَّد البسيطة.
وبهذا يؤكد باشلار على أننا نستطيع إذن أن نجد في كلِّ قصيدة حقيقية عناصرَ زمنٍ مُوقَفٍ، زمن لا يتبع القياس، زمن سنسمِّيه عمودياً كي نميِّزه عن الزمن العام الذي يتسرَّب أفقياً مع ماء النهر ومع الهواء الذي يهب، وفي ذلك مفارقةٌ يجب إعلانُها في وضوح: ففي حين يكون زمنُ العَروض أفقياً فإن زمن الشعر عمودي، إذ لا تنظم العَروض سوى رنَّات متتابعة وتضبط إيقاعات وتدير حماسات وانفعالات غالبًا في غير محلِّها، وإذا تقبل العَروضُ نتائجَ اللحظة الشعرية تسمح باللحاق بالنثر، بالفكر المشروح وبمشاعر الحبِّ المُختَبَرة.. بالحياة الاجتماعية.. بالحياة الجارية.. بالحياة الزالقة.. الخطِّية المستمرة، لكن ليست جميع القواعد العَروضية سوى وسائل قديمة والهدف هو العمودية: العمق أو الارتفاع؛ إنه اللحظة المُرسَّخة حيث تُبرهِن التزامنات إذ تنتظم على أن للَّحظة الشعرية منظورًا ميتافيزيائياً .
فاللحظة الشعرية كما يراها باشلار هي بالضرورة مُركَّبة، إنها تحرِّك الشعور وتبرهنه وتدعوه وتواسيه، كما أنها مذهلة واعتيادية.. اللحظة الشعرية هي جوهرياً علاقة ضدَّين متناسقة، ثمة بعضٌ من العقل دائمًا في لحظة الشاعر المشبوبة عاطفةً، ويبقى دائمًا قليلٌ من الشغف في الرفض المُحاكَم عقلياً، وتروق الطِّباقات المتتابعة للشاعر مسبقًا، ولكن لأجل الافتتان ولأجل النشوة على الطِّباقات أن تندغم في تَناقُض وجداني، حينئذٍ تنبثق اللحظة الشعرية.. اللحظة الشعرية هي على الأقل وعي تَناقُض وجداني، لكنَّها أكثر من ذلك لأنها تَناقُضٌ وجداني مُحرَّض نشيط دينامي، وتُجبِر اللحظةُ الشعرية الكائنَ على أن يغلي أو أن ينقص القيمة، يصعد الكائن أو ينزل في اللحظة الشعرية من غير أن يقبل زمنَ العالم الذي قد يُعيد التناقض الوجداني إلى الطِّباق وإلى المتزامن المُتتابع.
عبداللطيف البناي
فاروق شوشة
ويؤكد باشلار على أننا سنتحقَّق في سهولة من علاقة الطِّباق والتناقض الوجداني هذه إذا أردنا أن نتواصل مع الشاعر الذي يحيا، بداهةً في لحظة واحدة حدَّي طِباقاته، ولا يسمَّى الحدُّ الثاني بالأول، إذ أن الحدَّان وُلِدَا معًا، وسنجد مذ ذاك اللحظاتِ الشعريةَ الحقيقيةَ لقصيدة في جميع النقاط التي يستطيع القلبُ الإنساني أن يعكس الطِّباقات فيها، وبمزيد من الحدس ينكشف التناقُضُ الوجداني المعقود جيدًا من خلال طابعه الزمني بدلاً من الزمن الفحل والمقدام الذي ينقضُّ ويُحطِّم بدلاً من الزمن العذب والمُذعِن الذي يتحسَّر ويبكي.. لكن هل تبقى تعدديةُ الأحداث المتعارضة هذه المحبوسة في لحظة واحدة مِنَ الزمن؟ وهل هو من الزمن هذا المنظور العمودي كلُّه الذي يحيد عن اللحظة الشعرية؟ يؤكد باشلار بنعم وذلك لأن التزامنات المُكدَّسة هي تزامُنات مُنظَّمة، إنها تعطي اللحظة بُعدًا إذ تعطيها نظامًا داخليًّا، والحالة هذه يكون الزمنُ نظامًا ولا شيء آخر، وكلُّ نظام هو زمن، إذ أن نظام التناقضات الوجدانية في اللحظة هو زمن، وأن هذا الزمن العمودي هو الذي يكتشفه الشاعرُ عندما يرفض الزمنَ الأفقي، أي صيرورة الآخرين، صيرورة الحياة، صيرورة العالم، وتلك هي أنظمة التجارب المتتابعة الثلاثة التي يجب أن تفكَّ الكائن المُقيَّد في الزمن الأفقي:
1. الاعتياد على عدم إسناد زمنه الخاص إلى زمن الآخرين – أي تحطيم الأُطُر الاجتماعية للمدَّة .
2. الاعتياد على عدم إسناد زمنه الخاص إلى زمن الأشياء – أي تحطيم أُطُر المدة الظاهراتية.
3. الاعتياد – وهو تمرين قاس – على عدم إسناد زمنه الخاص إلى زمن الحياة – ألا يعود يعرف إذا كان القلبُ يخفق، إذا كان الفرحُ ينمو – أي تحطيم أُطُر المدَّة الحيوية.
نبلغ هنا، والحالة هذه، الإسناد المُتواقِت الذاتي إلى مركز الذات من غير حياة محيطية، وفجأة تندثر الأفقية المُسطَّحة ولا يعود الزمنُ يجري بل ينبثق كما هو معروف لدى الكتّاب عامة.
وللإمساك بهذه اللحظة الشعرية المُرسَّخة أو بالأحرى لاستعادتها، ثمة شعراء مثل مالارميه يُخاشِنون الزمنَ الأفقي مباشرة ويعكسون النَّحْوَ ويوقفون نتائج اللحظة الشعرية أو يحرفونها، وتضع العَروض المعقدَّة حصًى في الجدول كي تُدمِّر الأمواجُ الصورَ الباطلة، وكي تُحطِّم الدواماتُ الانعكاساتِ، ونختبر غالبًا إذ نقرأ مالارميه انطباعَ زمن ارتجاعي يأتي ليُنجِز لحظاتٍ تامة، إننا والحالة هذه نحيا متأخري اللحظاتِ التي كان سيتحتَّم علينا أن نحياها: إحساس غريب جدًّا حتى إنه ليس من نوع أيِّ تحسُّر، أيِّ ندم، أيِّ حنين، إنه مصنوع في بساطة من زمن مشغولٍ يعرف أحيانًا كيف يصنع الصدى قبل الصوت والرفضَ في الإذعان.
إن شعراء آخرين كما يرى باشلار أكثر توفيقًا يأخذون طبيعيًّا اللحظة المُرسَّخة، وكالصينيين يرى بودلير الساعةَ في أعين القطط، الساعةَ غير المحسوسة، حيث يكون الشغف كاملاً جدًّا حتى إنه يأنف من أن يكتمل، ولدى الشعراء الذين يحقِّقون هكذا اللحظة في يُسْر لا تجري القصيدة، إنها تنعقد وتنسج نفسها من عقد إلى عقد، ولا تتمُّ دراماهم وشرُّهم زهرةٌ هادئةٌ، في حالة توازُن قرابة منتصف الليل، ومن غير انتظار أيِّ شيء من نفس الساعات يتخفَّف الشاعر من كلِّ حياة عديمة الجدوى، ويُحِسُّ التعارض الوجداني المُجرَّد للوجود والعدم، ويرى في الظلمات ضوءه الخاص رؤيةً أفضل، وتحمل له الوحدةُ الفكرَ المتوحِّد فكرًا من غير لهو، فكرًا يرتفع، يهدأ، إذ يتحمَّس في نقاء، ويرتفع الزمن العمودي، ويضمحل أيضًا، أحيانًا، ولا يعود منتصف الليل يدق أفقيًّا أبدًا، فعلى الزمن العمودي – إذ ننزل – تتطبَّق المشاقُّ الأسوأ، المشاقُّ التي من غير سببية زمنية، المشاقُّ الحادة التي تجتاز القلب مجانًا، من غير أن تضعف أبدًا. وعلى الزمن العمودي – إذ نصعد من جديد – تتوطد المواساة من غير أمل، هذه المواساة الغريبة المواطنة الأصليَّة من غير حامٍ، وباختصار إن كلَّ ما يفصلنا عن العلَّة والمعلول وما ينفي التاريخ الخاصَّ والرغبة ذاتَها وكلَّ ما ينقض قيمة الماضي والمستقبل في آنٍ واحد يوجد في اللحظة الشعرية، ولنقرأ "لحظة لقاء" للشاعر الفصيح المصري فاروق شوشة:
كم يبقى طعم الفرحة في شفتينا
عمراً؟!
هل يكفي..
دهراً مسكوباً من عمرينا؟!
فليهدأ ناقوس الزمن الداوي
في صدرينا ..
ولتوقف هذه اللحظة في عمقينا
لن نذكر إلا أنا جسدنا حلماً
وارتاح الوهج الدامي
في عينينا..
أسأل: هل تتسع الأيام لفرحة قلبين؟
تعباً..
حملا الدنيا..
هل يخبو هذا الألق الساجين في العينين؟
ونخاف يطير فنمسكه..
ونضم الدنيا بيدين
ونعود إلى عشٍّ ناءٍ..
نرتاح إليه كطيرين
أسأل: هل تتسع الأيام لنضرة حلمين؟
وكما استشهدنا في بداية المقال بقصيدة شريفة عبدالله، نستشهد بقصيدة أخرى للشاعر الكويتي عبداللطيف البناي:
وداعية يا آخر ليلة تجمعنا
وداعية أعز الناس يودعنا
ليلة ويا عساك تعود..
عسى الله يصبر الموعود
أنا بعدك عمر مفقود ..
دنيا بلا معنى ..
لحظة يا بقايا الليل لحظة ..
لحظة ما بقى بالحيل لحظة ..
بالهدا يا ليل .. ما بقى بي حيل
حسيت إني بانحرم شوفي ..
ما اقدر أوادع قطعة من جوفي
ليلة ويا عساك تعود ..
عسى الله يصبر الموعود
أنا بعدك عمر مفقود ..
دنيا بلا معنى ..
قال: الوداع ، قال
لحظة وداع ، قال ..
وهلّت الدمعة وسال ..
الكحل فوق السواطر
كل دمعة من عيونك ..
أشتريها بألف خاطر ..
إنت غربة وأنا بدروبك محطة..
آه يا حظي ما وصل يمي وخطّى ..
عبداللطيف البناي، فاروق شوشة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.