تشير الدراسات المتخصصة إلى أن معدلات القراءة لدى الشعوب العربية، ومن بينها الشعب السعودي، منخفضة مقارنة بالشعوب الأوروبية وبعض الآسيوية، وكما يعلم الجميع، فإن التعود على القراءة ومحبتها أمور تعود في مجملها إلى الرغبة، وإلى التنشئة الاجتماعية والأسرية، وقد تعود إلى الحاجة أحياناً في الحالات البحثية والدراسية. كما نلحظ في مدننا ومحافظاتنا الكثيرة فإن رواد معظم المكتبات العامة طوال اليوم لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، ونعلم أن وسائل التواصل الاجتماعي، وكثرة المشاغل لدى عامة الناس، إضافة إلى انتشار وسائل الإعلام المرئي والمسموع، لعبت دوراً كبيراً في صرف عامة الناس عن الاتجاه للقراءة، ولكن ماذا علينا أن نفعل؟ لا نكاد نجد رب أسرة يصطحب أطفاله إلى إحدى القاعات المخصصة للأطفال في المكتبات العامة لقضاء بعض الوقت في القراءة، ولكننا نجده يحرص على اصطحابهم لمدن الملاهي والمجمعات التجارية في كل وقت. وفي ظاهرة أخرى نجد أن صالات الانتظار لدينا في المطارات وفي أماكن الخدمات العامة يقضي المنتظرون فيها أوقاتاً طويلة ينظرون إلى هواتفهم المحمولة إلى أن يأتي دورهم لأنه ليست أمامهم ولا حواليهم وسائل أخرى لتقطيع أوقات الانتظار. في زيارة لي لأحد المستوصفات الأهلية وجدت في صالة الانتظار عدداً من الأرفف رُصّت فيها بعض الكتب الخفيفة المخصصة للقراءة، وقد قامت بتبني هذه الفكرة إحدى دور النشر والتوزيع المشهورة في المملكة، وقد وجدتها فرصة مواتية كي أقلب صفحات أحد الكتب مستعيناً به في قضاء وقت الانتظار. وفي صورة مشابهة رأيت في مطار الملك خالد أرففاً أخرى مشابهة وضعت بها بعض الكتب للقراءة. هنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: لماذا لا يتم تبني تعميم هذه الأرفف لتشمل عدداً أكبر من أماكن وصالات الانتظار في جميع مناطق المملكة مع تخصيص جزء منها لكتاب الطفل. أعتقد أن مثل هذا الإجراء لو تم تطبيقه باسلوب حضاري سيشكل رافداً مهماً من روافد الحث على القراءة، إضافة إلى غرس هذه العادة لدى الناشئة. تطبيق مثل هذا الإجراء يمكن أن يتم عبر عدة طرق لعل أيسرها أن تتبنى المكتبات العامة ودور النشر والتوزيع الرئيسية، بالتعاون مع وزارة الثقافة والإعلام، مشروعاً يمكن أن يُطلق عليه اسم (اقرأ) ويتم عن طريقه توزيع عدد من أرفف الكتب في الأماكن العامة والمجمعات التجارية ويوضع بجانبها كراسي مريحة للقراءة. هنا يمكن لكل منتظر، ولكل شخص لا يرغب في التجول في المجمعات التجارية بصحبة عائلته أن يقضي بعض الوقت بين صفحات كتاب أو ديوان شعر، وقد تدفعه هذه الجلسة القصيرة إلى اقتناء كتاب لم يسعفه الوقت للتعرف على كل ما فيه. في مقال سابق لي نشرته في صحيفة عكاظ أشرت إلى منظر ساءني ولفت نظري في أحد مطاراتنا حين شاهدت مسافراً في صالة الانتظار يحتضن (شيشته) بكلتا يديه خوفاً عليها من الكسر فيما لو شحنها مع بقية عفشه، وفي الوقت نفسه شاهدت مسافراً أجنبياً ممسكاً بكتاب يقرأ فيه عندها تذكرت قول شاعرنا أبو الطيب المتنبي: أعز مكان في الدجى سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب وشتان في هذا المنظر بين جليس وجليس.