تغري المكتبات الثقافية في صالات المغادرة سواء في الرحلات الداخلية أو الدولية، المسافرين بالتجول فيها كمركز تسوق معرفي يساعدهم على قضاء الوقت قبل صعودهم لسلم الطائرة التي ستأخذهم لوجهتهم القادمة. سلسلات من الكتب مرصوصة على الأرفف بطريقة أنيقة ومرتبة، ضمن خارطة طريق معرفية ولكنها غير عميقة. حاتم الغامدي، أحد المسافرين السعوديين المتجهين إلى العاصمة الإندونيسية جاكرتا، وصف تلك المكتبات في حديثه إلى "الوطن" بأنها "سندوتشات أو وجبات ثقافية سريعة"، شبيهة بالمطاعم السريعة التي تستقبل المسافرين في صالات المغادرة. مشرف جناح الكتب الثقافية بأحد المراكز التجارية في صالة المغادرة، محمد عوض، قال في حديثه إلى "الوطن": إن عمليات شراء الكتب الثقافية تضاهي وتنافس بشكل كبير عمليات الشراء الأخرى كالهدايا والعطور والساعات والإكسسوارات، وألعاب الأطفال والتحف التراثية والأجهزة الإلكترونية بشتى أنواعها. فسيفساء متنوعة من الكتب منها ما يختص بالريجيم وتخفيف الوزن، والحفاظ على علاقات زوجية سعيدة، أو كتب تتحدث عن الفضائل والقيم الأخلاقية، أو تلك التي تختص بقصص وحكايات الأطفال. تحظى كتب تطوير الذات والتحفيز لعدد من المؤلفين الغربيين الشهيرين في مجال تنمية الذات كأنطوني روبنز صاحب كتاب "اعرف شخصيتك" برواج كبير في هذه المكتبات. وعلى الرغم من توفر المجلات الخاصة بالنساء بشكل كبير بين أرفف مركز التسوق في المطارات، إلا أن إقبالهن كان منصبا على كتب "العلاقات الزوجية وتطوير الذات بالدرجة الأولى". ولم يكن المجال فقط متاحا لكتب تطوير الذات، بل تصدر مشهد ارتفاع المبيعات أيضا كتب السياسة العامة، ومجال التوثيق السياسي، ككتاب رئيس قطاع الأخبار في جهاز التلفزيون المصري السابق " التحرير.. الأيام ال18 الأخيرة من عهد مبارك"، الصادر عشية الذكرى الأولى للثورة المصرية 25 يناير 2012. الكتاب شهد إقبالاً كبيراً من قبل المسافرين وفقاً للمسؤولين عن معرض الكتب. وبرر عوض سبب الإقبال على الكتاب بأنه أول كتاب من نوعه عن أحداث الثورة المصرية، وأن المؤلف كان أحد الأطراف الأساسية في حقل الإعلام المصري أواخر عهد الرئيس السابق حسني مبارك، حيث تضمن كتابه رواية للأحداث كما رآها، وعلاقات القوى التي صاغت تلك الأحداث. عدد من المسافرين والمسافرات تحدثوا ل"الوطن" عن إشكالية ارتفاع أسعار الكتب التي تصل إلى زيادة قدرها بعضهم إلى 40% عن سعر الكتاب في السوق المحلي، وهو ما يمثل هاجس غياب الرقابة التجارية، خاصة في ظل "احتكار عمليات البيع والشراء" في صالات المغادرة. المقيم الفلسطيني سامي الكحلوت كان يتجول بين رواق المكتبة هو وأفراد أسرته المكونة من زوجته وطفلين أحدهما في التاسعة والآخر في العاشرة، وأشار إلى أنه في حال سفره بمفرده أو مع عائلته، فإن من الأساسيات التي لا يتهاون فيها شراء الكتب من صالة المغادرة لجميع أفراد الأسرة كل بحسب هوايته وعشقه. عبدالرحمن الصالحي وهو صاحب دور نشر في وسط جدة أعطى تحليلا معرفيا لإقبال المسافرين على شراء الكتب في صالات السفر، ووصف في حديثه الإقبال بأنه يعود إلى رغبة المسافر في عمل جو ثقافي خاص به يستمتع فيه بالقراءة بعيدا عن أجواء الانتظار، هذا جانب أولي، أما الجانب الثاني – كما يرى الصالحي - فيتمحور حول إكساب عادة القراءة، وهذا يعد من الجوانب الإيجابية المهمة، إذا ما نظرنا لها كمكسب كبير.