الحياة مليئة بالمسرات التي ننعم بها بدون أن نفكر فيها أو أن نقابلها بما تستحق من شكر. ولو نظر كل منا من حوله واستخدم ميزان النسبية لوجد أن أغلب أمور حياته ميسرة بشكل معقول بل مقبول جداً. وبرغم ذلك نرى أن الضجر والاكتئاب والإحباط يهيمن على تفكير كثير منا حتى وإن توفرت له من متع الحياة مالم يتوفر لسواه. في حياة كل شخص بعض أمور تشكل له هماً دائماً وتمثل صدمات متكررة لنفسيته فينعكس ذلك على سلوكه وتعامله مع الآخرين برغم أن تلك الأمور إما قابلة للحل فيجب حلها أو غير قابلة للحل فيجب وضعها في إطارها. لأن المزيد من التفكير فيها يضيق على الشخص الدائرة فتصبح هي زجاجة نافذة حياته ولأن تلك الزجاجة ليست نقية فسيصبح كل مايبدو له من خلالها غير نقي. هذا الشعور قد يقضي على صاحبه أو يدخله في دائرة الاكتئاب المرضي وقد يقود إلى الانتحار أحيانا. إن الكَبَدَ حقيقة من حقائق الحياة التي أقرها القرآن الكريم، وكل بشرٍ في كل مكان وزمان يكابد في حياته فينجح أحياناً ويفشل أحياناً أخرى. مع ذلك نرى من حولنا أناساً لا تفارقهم الابتسامة وكأنهم يعيشون في نعيم دائم وآخرون تلفهم السلبية في التفكير والحديث وكأنهم يحملون هموم الدنيا مع العلم بأن الفوارق ضئيلة بين الفريقين ولا تبرر ذلك التباين الكبير. نعم هناك ميزات تجعل الإنسان أكثر سعادة من غيره كالتسامح والعطاء والصدق والقناعة، إلا أن أغلب مكونات السعادة لا تولد مع الإنسان وإنما تكتسب من خلال التجربة ومن خلال التدريب عليها. ولهذا أصبحت هناك تطبيقات عملية تحول الناس من التفكير السلبي المرضي إلى التفكير الإيجابي السليم. وبرامج تعلم الناس كيف تستمتع بالحياة التي نعيشها بدلا من تلويثها بهموم لا تنتهي. لا شك أن القيم الاجتماعية للمجتمعات لها دخل كبير في تشكيل المزاج العام للمجتمع. وبرغم تفاخرنا بقيمنا الاجتماعية إلا أن الإحصائيات فاجأتنا بتصدر المنطقة العربية شعوب العالم في انتشار الاكتئاب بين أفرادها. لاشك أن ضبابية الأهداف وخلط الخاص بالعام وازدواجية السلوك والفجوة الكبيرة بين القيم القرآنية "النظرية: كالحمار يحمل أسفاراً" وبين سلوك المجتمع ومن يدعي تمثيل ذلك الخط هي من أهم العوامل التي جعلت المنطقة العربية منطقة موبوءة بداء الاكتئاب. وكما في كل داء لابد من التشخيص لنتمكن من العلاج. لابد من الإصرار على الخروج من دائرة المعاناة إلى دوائر الحياة. لابد من فصل الهم العام عن الهدف الخاص. لابد من تبني القيم الإنسانية التي أقرها الإسلام وحث عليها وترجمتها إلى أعمال ظاهرة. ولابد من التدرب على التفكير الإيجابي السليم. لابد أن يحيطنا أصدقاء يعيشون الإيجابية ويساعدون على ممارسة التفكير الإيجابي. وهذا لا ينطبق على الأصدقاء المعروفين لدينا بل على أصدقائنا الافتراضيين "فيرشوال" الذين قد نمضي معهم الساعات على الفيس بوك والتويتر وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي الكثيرة.