يشهد المجتمع بعض الظواهر السلبية المتعددة بين فترة وأخرى، تغذيها الممارسات والتطبيق الخاطىء لبعض أفراده، الأمر الذي يترتب عليه عواقب وخيمة تطال المجتمع برمته، ومن ذلك ما نشرته الصحف عن دراسة أعدتها وزارة التخطيط أن (33) حالة طلاق تقع في المملكة يومياً، لتبلغ حالات الطلاق في العام الواحد (12192) حالة، وفي مدينة الرياض وحدها طلقت (3000) امرأة من أصل (8500) حالة زواج!. «فلذات الأكباد» مهددون ب«صدمة نفسية» تؤثر على إنتاجهم في الحياة.. والانطواء ينتظرهم! وأوضحت الدراسة أيضاً أن نسبة الطلاق في المملكة ارتفعت عن الأعوام السابقة بنسبة (20%)، وأن (65%) من الزواجات عن طريق الخاطبات تنتهي بالطلاق!. وإذا تأملنا هذه الأرقام الواردة قد يصاب أحدنا بالذهول من هول المأساة المتوقع حدوثها مستقبلاً، بشكل يؤكد أن الطلاق أصبح ظاهرة اجتماعية خطيرة تهدد سعادة المجتمع، لما له من الآثار السلبية في البناء الاجتماعي والنفسي لحجر الأساس في هذا البناء وهو الأسرة، وبالتالي على الطفل الذي قد يصاب ب"الاكتئاب"؛ نتيجةً لعدم الاستقرار وتفكك الكيان الأسري، الأمر الذي ربما أثر على "فلذات الأكباد" بضعف انتاجاتهم في الحياة، وربما فضلوا الانطواء بعيداً عن الآخرين. "الرياض" تطرح أبعاد هذه الظاهرة على الطفل، لتسليط الأضواء على علاقة الأطفال بالطلاق، وما ينتج عن هذه العلاقة من مشاكل، رغبةً في إيجاد حل يعتمد على القناعة والتعقل، مع البعد عن الاستهتار الذي يطال تبعاته أفراد المجتمع بشكل عام والطفل بشكل خاص. آثار متعددة في البداية قالت "خيرية الزبن" -أخصائية اجتماعية بجامعة حائل-: إن للطلاق في الحياة آثاراً متعددة تشمل المجتمع والزوجين وكذلك الأطفال، مضيفةً أن كل فرد من هؤلاء شريك في الحدث ومتأثر به من قريب أو بعيد، ذاكرةً أن للطلاق أثره السلبي على سعادة الأطفال، وأنه في معظم الحالات لا ينشأ الطفل بصورة سوية إلا في أسرة سوية، ومن هنا يزرع الوالدان المشكلات النفسية والاجتماعية في طريق أولادهم، فينشؤون عاجزين عن التكيف النفسي والاجتماعي، وقد تمتليء نفوسهم بالحقد والكراهية وعدم الثقة بالنفس إلى غير ذلك، أيضاً الميل إلى رفقة السوء للبحث عن التعويض عما فقدوه من خلال تلك العلاقة، بل ومن الممكن أن يقعوا في الجريمة؛ نتيجةً لضعف الإشراف والتربية الأسرية. الاحباط يحاصره وأضافت: الآثار السلبية التي يخلفها الطلاق على الطفل، هو نشوؤه في المجتمع وهو محبط، يشعر بالظلم والسخط، وقد لا يشعر بالولاء لأسرته، بل ولا يتوقع منه في ظل هذه المشاعر إنتاجية مفيدة، إضافةً إلى اتجاهه إلى الفساد والجريمة، ذاكرةً أن الجانب الذي يجب علينا التركيز عليه في مثل هذه الحالات هو الجانب السلبي وذلك لخطورته وأهميته، موضحةً أنه من الآثار المترتبة على الطلاق السلبي هو قطع العلاقات الأسرية والاجتماعية التي نشأت جراء الزواج بين الأسر المختلفة، مما يؤدي إلى التنافر والتباغض فيما بينهم، بالتالي فإن ذلك سيكون له ارتباط وثيق بنفسية الأطفال من جميع النواحي سيما الاكتئاب. ملازمة للأطفال وأكدت على أن الطفل هو أول من يصاب بآثار الطلاق السلبية، وقالت: أثبت الواقع أن آثار الطلاق تظل ملازمة للأطفال حتى بلوغهم سن الرشد، وأن حالة الطفل تتأزم بعد انفصال والديه، حيث لا يستطيع تجاوز عقدة هذا الانفصال، بل إن من آثاره أن بعض الأطفال إذا وصل سن الزواج قد لا يفكر ملياً في الارتباط بزوجة، وإذا تزوج فإنه لا يرغب في الإنجاب، مشيرةً إلى أن أغلب الأطفال الذين تعرضوا لصدمة طلاق والديهم هم ضحية للانجراف في سلوكيات غير سوية، جراء الوضع النفسي الصعب لاستمرار معاناتهم ومخاوفهم وشعورهم بالضياع، مبينةً أن الطلاق قد يكون سبباً في فساد أخلاق الطفل، وما يسببه اكتئابه من انتشار عادات سيئة وغير سوية يتبعها في حياته. بُعد نفسي وأوضحت أن الأبعاد العامة للمشكلة ومن خلال ما تتركه من آثار غائرة يشعر بها الطفل، هو أنه ومن خلال شعوره بالاكتئاب يستحيل عليه ممارسة الحياة الطبيعية، مرجعةً ذلك بما يسدله البعد النفسي بظلال كبيرة على ظاهرة الطلاق، وزيادة خطورته على الطفل من خلال عدم الرؤية بالعين المجردة، بل هو بعد لا يراه إلا أهل الاختصاص ومن وفق لاستشعاره، مشيرةً إلى أن أسباب الطلاق النفسية هي الاختلاف الكبير الذي قد يحمل السمة العدوانية التنافسية، وما يلعبه من دور في اكتئاب الطفل، مبينةً أن الطلاق هو أحد الأسباب المؤدية لاكتساب عادات وسلوكيات ينفر منها المجتمع، في ظل عدم الرعاية والاهتمام كالذي يلاقيه الآخرون من هم بين أحضان أمهاتهم وآبائهم، مؤكدةً على أن الأهل لهم الدور الأكبر في الدعم والرعاية والتشجيع. ما هو العلاج؟ وقالت: إن ما يدور في الذهن هو طرح سؤال مفاده: كيف نعالج ما يمكن علاجه؟، مؤكدةً على أن علاج هذه المسألة يحظى بجوانب هامة جداًّ لابد أن تؤخذ بالحسبان، موضحةً أن العلاج الناجح يعتمد على التشخيص الصحيح، والتشخيص الصحيح يعتمد على الدراسة العلمية، وربما يحتاج الأمر إلى تراكم معرفي ينتج عن دراسات عدة، مضيفةً أنه وبالرغم من وجود بعض الدراسات ألا أنها قليلة لا تفي بالغرض في ظل شح البيانات وعدم دقتها، ناصحةً الجهات المعنية إلى دعم الباحثين وتشجيعهم، إلى جانب تسهيل المهمة لهم، مقترحةً ربط الفرد بقيم الإسلام مباشرة وتكريس الانتماء إليه، مع التنشئة على تعظيم أمر الله، وضرورة العلم بحقوق الأبناء خاصة، لوقايتهم من أمراض الاكتئاب التي قد تكون سبباً في فشلهم في الحياة. إصلاح ذات البين ونصحت بتعميم مكاتب إصلاح ذات البين، بعد أن أثبتت نجاحها سابقاً، مشيرةً إلى أنه وإضافة إلى ذلك لابد من الوقاية من الطلاق قبل وقوعه، كالعمل على إقامة دورات توجيهية في الزواج والعشرة الزوجية؛ لتأهيل الفرد على تحمل المسؤولية، كما أن على وسائل الإعلام مسئولية عظيمة تجاه هذا الأمر، بتجنبها توجيه الفرد نحو مواصفات خيالية للشريك نحو مفاهيم لا تنسجم مع مفاهيم الإسلام، داعيةً الزوجين إلى التفكير بالأبناء قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة، مع تفهم ما قد ينتج جرائها، والتي حتماً إن أقدم عليها الأبوان ستلحق الضرر بالطفل خاصة ولو على المدى البعيد. طبيعة الحياة وشددت على أهمية توطين النفس على أن الحياة اليومية لابد فيها من الاختلاف والمشكلات في العلاقة الزوجية، مؤكدةً على أن هذا من طبيعة الحياة، فالمهم هو احتواء المشكلة لتجنيب الأطفال المشاكل النفسية، وهذا بالطبع يتطلب خبرة ومعرفة يفتقدها الكثيرون، وربما يكون الزواج المبكر عاملاً سلباً؛ بسبب نقص الخبرة والمرونة وزيادة التفكير الخيالي، إلى جانب عدم النضج بما يتعلق بالطرف الآخر في الحياة نفسها، مبينةً أن ملامح شخصية الطفل يكون لها أثر واضح في عدم الاهتمام بالإيجابيات، مما يؤثر على حالته الاجتماعية، بالتالي التوتر والقلق والاكتئاب، ذاكرةً أنه مما لاشك فيه أن للأبوين وتداركهما لمشاكلهما، له دور كبير في إنقاذ الطفل من كثير من حالات الاكتئاب. مكتسب من البيئة وقالت "مريم حجي" -الأخصائية النفسية والمشرفة التربوية بتعليم حائل-: إن من أبرز الآثار المترتبة على نفسية الطفل جراء الطلاق هو فقدان الوظيفة التربوية تجاهه، متسائلةً: إذا حدث تصدع في الأسرة من يعتني بهم؟"، مشيرةً إلى أنه قد يعيش الأولاد في مجتمع بعيداً عن أسرتهم، وهذا قد يكون له تأثير بالغ على اكتئابهم، نتيجة فقدان الرعاية الصالحة والحنان، وقد يترتب أيضاً على ذلك نشوء سلوكيات في نفسية الطفل مخالفة للمجتمع، مرجعةً ذلك أن سلوك الإنسان سلوك مكتسب من البيئة المحيطة به، وأولى هذه البيئة هي الأسرة. تجربة قاسية وأضافت أن من شأن الطلاق أيضاً التأثير على حياة الطفل بخلق مشاكل عصبية مستمرة معه، تؤثر على نفسيته، بل وتتيح له مجالاً واسعاً للاستسلام للاكتئاب، بالإضافة إلى انحطاط النفسية إلى أسوء أمورها، لافتةً إلى أن مشكلة الطلاق تعتبر بالنسبة للأطفال تجربة نفسية قاسية، وذلك حتماً يؤثر على بناء شخصيتهم، إلى جانب أنها تفسدهم، بأن تجعل مشاعرهم غير مستقلة، ويكون الاضطراب في مثله العليا مصاحباً له، ومن شأن ذلك أن يمتد أثره على حياته العلمية والعملية. ضريبة قاضية وقالت "نورة البقعاوي" -المشرفة التربوية بتعليم حائل-: قد تورث الأسرة المفككة والناتجة عن الطلاق أطفالاً مصابين بالعقد النفسية والمشاكل الاجتماعية المستمرة، مؤكدةً على أن هذه المشاكل في كثير من الحالات تستمر حتى سن الكبر، وهذا ما لوحظ على كثير ممن عاشوا مشاكل الطلاق، مبينةً أن أبناء المطلقين يعانون من مشاكل نفسية وجسمية واجتماعية أكثر من الأبناء الذين يواصلون عيشهم تحت سقف بيت واحد مع والديهم، ذاكرةً أن التفكك الأسري نتيجة الطلاق وما يؤثره على الطفل، يُعد ضريبة قاضية على استقراره، بل ويفجر لديه الكبت والاكتئاب الذي قد يصل إلى حد المرض.