خمسة وثلاثون دورة يلتئم في إطارها قادة دول مجلس التعاون، يتحدثون، ويتداولون، ثم يقررون فيما يفيد مسيرة المجلس الذي ولد يوم 25 مايو 1981، مبشراً أهل الخليج بالفجر الجديد الذي سيأخذهم إلى فضاء التفاؤل والإنجاز والعطاء ووحدة المصير والقرار الذي يثير اشتياقهم إلى الترابط والتعاضد الخليجي. عندما تتحدث عن مسيرة المجلس لا مفر من الالتزام بالانصاف والموضوعية لأن المجلس لم يملك حق التركيز على قضاياه، وإنما انشغل بقضايا الآخرين التي -مهما بعدت- تمس أمن الوطن الخليجي الواحد. ولد المجلس وسط الحرب العراقية - الإيرانية التي وصلت نيرانها إلى سواحله، وتحملت دول المجلس إسقاطاتها السياسية ومتاعبها المالية وآلامها الأمنية ومضايقاتها النفسية. كانت رسالة المجلس وقف الحرب البعثية والعبثية، كانت استراتيجية العراق سحب دول الخليج إلى معاركه مع إيران، وتوظيف جغرافيتها وأموالها ودبلوماسيتها وخيراتها من أجل حربه مع إيران، وكانت استراتيجية المجلس دعم العراق ليقاوم ضغط إيران، لأن الثغرة الإيرانية على أراضي العراق علامة الانهيار في الجدار العراقي، لم يكن العراق بمفرده قادرا على المقاومة، كان لابد من دعمه في كل المجالات. استمرت الحرب ثماني سنوات، وأكلت كل شيء في العراق، وكلفت المجلس الكثير وانتهت بلا منتصر. موقف مجلس التعاون مع بقاء الحدود المتوارثة بدون تغيير لأنه مدرك أبعاد العبث في توازن القوى. وغير الحرب العراقية، كانت مشاكل حوض الشام من صراع سوريا والمنظمة، ولبنان وقوى الجوار، والغزو الاسرائيلي عام 1982، وإبعاد المنظمة الفلسطينية إلى شمال أفريقيا، وتداول هذه المحاور المزعجة داخل اجتماعات الزعماء العرب في الجامعة العربية. وبعد ذلك تأتي مأساة الغزو العراقي لدولة الكويت، ويتحول المجلس إلى ميدان حرب للتحرير، لأن القوات العراقية وقيادتها تصورت بأن الكويت حالة فريدة يمكن تحييد مجلس التعاون عن تحريرها. جاء تحرير الكويت انجازا فريدا لمجلس التعاون، واعتزازا بمكانته وارتفاعا لسمعته واعترافا بقوته. وأصبح قوة أقليمية فريدة في متانتها الاقتصادية وفاعليتها السياسية وندرتها الاستراتيجية وصلابتها المالية وانتشاراتها الجغرافية. فلا استقرار اقليمي دون المجلس، ولا قرار عربي بمعزل عن المجلس، ولا تأثير عربي في غياب المجلس. والمجلس هو العنوان البارز للاعتدال ليس فقط في السياسة وإنما في فنون إدارة الدولة، في دبلوماسيتها وفي تعاملها مع الطاقة والعلاقات بين المنتجين والمستهلكين، وصار المجلس مرجعية في المسار النفطي العالمي. وعندما يلتقي القادة في الكويت، ستكون أمامهم قضايا شائكة وملحة: أولها – الشأن الداخلي للمجلس للبحث في الأفكار التي طرحت حول الانتقال من التعاون إلى الاتحاد. وثانيها - اكتمال تنفيذ القرارات الاقتصادية من أجل تحقيق المواطنة الاقتصادية الخليجية الواحدة، وقضايا داخلية خليجية، الأمن التعليمي والأمن السياسي والتكثيف الثقافي وبناء منظومة أمنية دفاعية مقنعة، وأهم بند البحث في آليات التعامل مع المستجدات الاقليمية والعالمية، ثورة الشعب السوري وتأثيرها على دول الجوار، وعلى العمل العربي المشترك. بلا جدال مجلس التعاون يعيش مرحلة حساسة ودقيقة تستدعي النظرة الفاحصة في المطروح من الأفكار، وأهمها الانطلاق إلى الاتحاد. ونردد بأن مسيرة المجلس جماعية لابد من أن تضم الجميع، وتنعم بقناعة الجميع، وتتمتع بمتانة الجميع. وأسلوب المجلس دائما في التمعن قبل التنفيذ، وتأمين المشاركة الجماعية الصلبة التي لا تهتز مع مرور الوقت، وهنا يأتي التحدي في اجتماع الكويت، هل سيواصل المجلس في مسيرة يغلب عليها البطء أم يكون القرار في استنفار الممكن والمتوفر للتعامل مع تحديات المستقبل. هذه أجندة القادة في الكويت، بما تعنيه من عزم شامل على التعامل الواضح مع قضايا المجلس وقضايا المنطقة، وهي باختصار ترتيب البيت الخليجي والبيت العربي، وانحسار أنظمة الأيديولوجيات وأنظمة التشنجات، والعودة إلى سيادة العقل وحكمة الاتزان.. هذا ما نتوقعه من قمة الكويت، قمة الأنظار والأقدار.. * أمين عام مجلس التعاون الخليجي الأسبق عضو الهيئة الاستشارية العليا