تحتضن الكويت اليوم وغداً الدورة الثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. وقد تحقق للمسيرة المباركة وهي تقترب من إكمال عقدها الثالث، إنجاز العديد من المشاريع المشتركة، إضافة إلى التنسيق والتعاون والتكامل في كافة المجالات، وسط تطلعات وآمال مواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لتحقيق المزيد من الإنجازات في المجالات كافة. وترتكز سياسة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة كل دولة على أراضيها، وتمكّن المجلس من تحقيق العديد من الإنجازات السياسية الاستراتيجية في الحفاظ على أمن دوله الست واستقرارها.وأكد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبدالرحمن بن حمد العطية في مستهل جولة خليجية تحضيرية للقمة أن قمة قادة المجلس التي ستعقد يومي 14 و 15 الشهر الجاري في الكويت، تشكل منعطفاً مهماً ونقطة تحول في مسيرة المجلس نحو المستقبل. وقال العطية إن قمة الكويت تعقد في ظروف مهمة تمر بها منطقة الخليج والعالم أجمع، ما يتطلب الخروج بمواقف موحدة لمواجهة التحديات الراهنة على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مشيراً إلى أن المجلس الوزاري واللجان أعدت ملفات مهمة لعرضها على القمة بشأن اتخاذ قرارات في مختلف المجالات والوصول إلى خطوات تلبي طموحات شعوب دول المجلس. وأوضح العطية أن قمة الكويت تحفل بالعديد من الملفات السياسية والاقتصادية والتنموية والتعليمية والثقافية والبيئية، إضافة إلى التعاون فى المجالين العسكري والأمني إلى جانب رؤية الدوحة التي قدمها أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لقادة دول مجلس التعاون خلال اللقاء التشاوري الذي عقد في الرياض في أيار (مايو) الماضي، والتي تهدف إلى تفعيل مسيرة العمل الخليجي المشترك والدفع به إلى مراحل أكثر تقدماً وبما يترجم طموحات القادة وتطلعات شعوب دول مجلس التعاون. وأفاد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بأن المجلس وجد ليبقى تجربة فريدة وناجحة بكل المقاييس في تاريخ المنطقة العربية وصرحاً للبناء والتطور، فلم يكن دور المرأة غائباً عند إنشاء هذا الصرح أو مؤسساته المختلفة بل كان حاضراً كما كان على الدوام خلال المراحل المختلفة من مسيرة التأسيس والبناء والتطور الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي والأمني التي شهدتها دول المجلس.ولفت إلى أن دول المجلس استثمرت المال والجهد والوقت من أجل إحداث التنمية الشاملة وكان النهوض بالمرأة يشكل جل اهتمام القيادات السياسية والمؤسسات المجتمعية من منطلق الإيمان بأنها تشكل ركناً أساسياً في استدامة العملية التنموية، وأن ما ستحققه في التعليم مثلاً سيفضي في النهاية إلى تعظيم دورها ورفع قدرتها على الإسهام في تنمية ذاتها. أكدت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قدرتها على تجاوز العديد من الأزمات والتحديات التي واجهت دول المجلس منذ نحو 30 عاماً خلال مسيرته التي بدأت منذ تأسيس المجلس في عام 1981. وترتكز سياسة دول المجلس على مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة كل دولة على أراضيها ومواردها واعتماد مبدأ الحوار السلمي وسيلة لفض المنازعات ما أعطى مجلس التعاون قدراً كبيراً من الصدقية بوصفه منظمة دولية فاعلة في هذه المنطقة الحيوية للعالم بأسره. واستطاع مجلس التعاون في التعامل مع القضايا الاقليمية والدولية بحكمة وعقلانية وقدرة فائقة من احتواء الأزمات التي مرت بها المنطقة إذ كسب المجلس صدقية أدت الى توسيع مجالات التعاون مع الدول والمنظمات الدولية وكسب تأييدها للقضايا العربية والإسلامية فضلاً عن الدخول في اتفاقات تعاون مشترك تغطي الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية لما فيه خير شعوب ودول المنطقة. وتمكن المجلس من تحقيق العديد من الانجازات السياسية الاستراتيجية في الحفاظ على أمن دول المجلس واستقرارها من خلال التصدي لمسببات عدم الاستقرار ومصادر الخطر التي تمثلت بشكل أساسي ومباشر في الحرب العراقية الإيرانية والحيلولة من دون انتشار رقعة تلك الحرب في المنطقة. واضطلعت دول المجلس بدور أساسي وفاعل في عملية تحرير الكويت من خلال توظيف رصيدها السياسي والديبلوماسي وتسخير قدراتها العسكرية والمادية كافة من أجل التحرير حتى تم دحر العدوان وتحرير الكويت في شباط (فبراير) 1991. كما عملت دول المجلس بعد التحرير على المطالبة بتنفيذ قرارات مجلس الامن الدولي ذات الصلة وإزالة آثار الغزو والاحتلال من خلال تكثيف العمل الديبلوماسي المشترك لمساندة الشرعية الدولية في سعيها لإلزام النظام العراقي آنذاك بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بعدوانه على دولة الكويت. كما أكدت دول مجلس التعاون الخليجي في أكثر من مناسبة حرصها على الوقوف مع الشعب العراقي الشقيق في محنته السياسية الذي وجد نفسه فيها من خلال دعم الدور المحوري للأمم المتحدة في العملية السياسية في العراق. وساندت الانتخابات التشريعية واقرار الدستور والاجراءات اللاحقة لاستكمال البناء السياسي للدولة العراقية مع دعوة جميع القوى العراقية الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل جميع أطياف العراق، إضافة الى مشاركتها في مؤتمرات الدول المانحة ونادي باريس واجتماعات دول الجوار والاتصالات الثنائية بهدف التسريع في عملية إعادة أعمار وبناء العراق. وفي خصوص قضية الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران ساندت دول المجلس منذ إنشائه وحتى الآن الإمارات في حقها باستخدام جميع الوسائل السلمية لاستعادة سيادتها على جزرها الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) التي تحتلها إيران منذ العام 1971. وسعت دول المجلس الست منذ أواخر الثمانينات الى تحسين العلاقات مع إيران، بوضع إطار جماعي للعلاقات معها ما أسفر عن توقيع العديد من الاتفاقات والبروتوكولات ذات الطابع الاقتصادي والأمني مع إيران ما يمهد لحل القضايا العالقة بين إيران ودول المجلس وأهمها قضية الجزر الإماراتية الثلاث، كما سعت دول المجلس إلى العمل بشكل جماعي لدعم القضايا العربية وفي مقدمها القضية الفلسطينية ودعم مسيرة السلام في الشرق الأوسط مع التمسك بالحقوق العربية وتأييد المبادرات الرامية إلى إيجاد حل عادل وشامل للصراع العربي الإسرائيلي. وتمسكت دول مجلس التعاون بمبادرة السلام العربية التي أقرها مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002 كأساس لأي تحرك يهدف إلى تحقيق السلام العادل والشامل في إطار الشرعية الدولية انطلاقاً من القناعة بأن السلام خيار استراتيجي للأمة العربية. واتسمت مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي اقتربت من ثلاثة عقود من الزمن، بالعمل من أجل تأكيد فكرة اللقاء الجامع (مجلس التعاون) وضمان دور وفاعلية الشركاء حول كينونته القانونية والمادية. وتقف المملكة العربية السعودية إلى جانب دول التعاون في مواجهة جميع التحديات، ففي قمة الكويت جاء إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن المصالحة العربية وطي صفحة الخلافات خلال الكلمة التي ألقاها في القمة العربية الاقتصادية التي عقدت في دولة الكويت في 19 كانون الثاني (يناير) 2009، ليكرس نهجه في حل الخلافات العربية - العربية وحرصه على وحدة الصف والتضامن لمواجهة الأخطار التي تواجه الأمة العربية. وكانت مبادرته تاريخية بحجم التحديات المصيرية التي تواجه الأمة ومفاجأة سياسية قلبت طاولة الخلافات العربية - العربية على أعقابها وأقامت على أنقاضها صرحاً جديداً للتصالح والتعاون بين قادة الأمة الذين باعدت بينهم تدخلات الأطراف الخارجية في الشأن العربي. وهذا الموقف سبق أن عبر عنه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الكلمة التي ألقاها في القمة العربية العادية التاسعة عشرة التي استضافتها المملكة العربية السعودية في آذار (مارس) 2007. ولم تتوقف جهود خادم الحرمين على إعلان المصالحة وطي صفحة الخلافات، وجمع بعض قادة الدول العربية المعنية في لقاء خاص على هامش القمة العربية الاقتصادية في الكويت فحسب، بل واصل جهوده عبر الاتصالات الهاتفية، وصولاً إلى القمة العربية المصغرة التي عقدت في مدينة الرياض في 11 مارس الجاري برعاية خادم الحرمين وحضور الرئيس المصري محمد حسني مبارك، والرئيس السوري بشار الأسد، وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، تلك القمة التي وصفها وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل بأنها أذابت الجليد في العلاقات العربية البينية. وكان خادم الحرمين الشريفين كبيراً في موقفه الذي أعلن فيه تجاوز مرحلة الخلاف وفتح باب الأخوة العربية والوحدة لكل العرب بلا استثناء أو تحفظ، ومواجهة المستقبل نابذين خلافاتنا صفاً واحداً كالبنيان المرصوص مستشهدين بقوله تعالى: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم». واستطاعت الدول الأعضاء العمل على مكافحة الإرهاب بكل أشكاله وصوره والتصدي للهجمة الجائرة التي حاولت الربط بين الإسلام والإرهاب وعدم الخلط بين الكفاح المشروع من أجل تقرير المصير والإرهاب.