قبل عامين حضر الأميرال مارك فوكس قائد الأسطول الخامس الأميركي المتمركز شرق المنامة إلى الرياض، لتقديم عرض لوزراء خارجية دول الخليج عن صواريخ دفاعية أو درع صاروخي في الخليج، كان الاجتماع يضم وزيرة الدبلوماسية الاميركية هيلاري كلينتون، وكان الهدف من هذا الدرع صد أي هجوم محتمل من إيران. خلطت خطوات التقارب الاميركية - الايرانية الأوراق في المنطقة بشكل دراماتيكي، فالمكالمة الرئاسية بين أوباما وروحاني التي أنهت قطيعة الثلاثة عقود، كانت كفيلة بإثارة التكهنات، وما لبث أن دب الاستياء في نفوس الحلفاء الخليجيين، الذين رأوا في خطوات التقارب أمراً لا يمكن قبوله في وقت بلغ سوء العلاقات بين إيران ودول الخليج مبلغه مع دخول الازمة السورية عامها الثالث. وبالرغم من التطمينات الأميركية بأن علاقتها مع حلفائها الخليجيين ثابتة ولم تتزعزع، إلا أن رئيس الاستخبارات السعودية الامير بندر بن سلطان أخبر سفيراً أوروبياً في الرياض أن بلاده ستغير من شكل تعاملها مع واشنطن. والأمر ينطوي على بقية دول الخليج التي تخشى من أن تؤدي حالة التقارب إلى زيادة النفوذ الايراني وهي قصة تعيد للخليجيين زمن سطوة شاه إيران. هذه الخطوات بلا شك زعزعت الثقة بين دول "التعاون" وواشنطن التي لا يمكن التنبؤ بعد الآن بخططها لا سيما الدفاعية منها في الخليج، فقبل عام ونصف قدَّم الاميرال فوكس عرضاً موجزاً على هامش منتدى التعاون الخليجي- الأميركي عرض فيه قدرات بلاده في نصب صواريخ " للدفاع عن شعوب الخليج " والحديث هنا للوزيرة كلينتون التي تحدثت عن رغبة بلادها في بدء نقاش على مستوى الخبراء بين البلدين، حول ما يمكن فعله لتعزيز النظام الدفاعي الصاروخي الباليستي. المعروف أن مشروع الدرع الصاروخي يهدف إلى صد أي عدوان محتمل بالصواريخ العابرة للقارات ضد الولاياتالمتحدة أو حلفائها. لكن ما مدى جدوى درع صاروخي أميركي في الخليج، إذا ما عادت المياه إلى مجاريها بين واشنطن وطهران؟ بالرغم من وجود منظومة دفاعية أميركية كبيرة في الخليج، إلا أن استراتيجية "المحور الآسيوي" من شأنها تقليص تلك المنظومة وإبدالها بعتاد آخر، يمكن أن يكون المشروع الدفاعي الصاروخي الاميركي أحدها، لكن دول الخليج لا يبدو أنها مندفعة وراء هذا المشروع لأسباب توافقية بينية أو تحفظية على العرض الاميركي، خصوصاً أنها اسندت الأمر إلى لجنة مشكلة من قبل وزارات الدفاع في دول مجلس التعاون، وزاد من ترددها التطورات الاخيرة، كما أن تواتر الأنباء عن توجه دول من المجلس الخليجي إلى روسيا والصين وبعض الدول الاوروبية للتزود بصواريخ متعددة المهام، يلقي بظلاله على هذا المشروع الذي لا يمكن أن يتم في وقت يبدو أن دول "التعاون" بدأت تبحث عن علاقات يمكنها تعويض الحضور الاميركي التاريخي في المنطقة الأكثر حيوية خلال سبعين عاماً الماضية. إن اللقاءات المتعددة التي يجريها المسؤولون السعوديون في أوروبا وروسيا والصين، في إطار تعزيز التعاون السياسي والدفاعي، لايمكن تجاهلها، إذا ما ربطنا ذلك مع الصعود الروسي في المنطقة، الذي بدأت تتشكل ملامحه بشكل كبير، ولن تكون الفعالية الروسية على مستوى الأزمة السورية إلى بداية لحضور أكبر للكرملين، ولعل بوادر ذلك ظهرت في الصفقة الدفاعية بين مصر وروسيا وهي عودة للأخيرة بعد انقطاع طويل. إن إقفال ملف الدرع الصاروخي في الخليج سيشكل صفعة قوية لواشنطن التي تلقت ضربة استراتيجية من سيد الكرملين عندما رفض حليفه الرئيس الاوكراني فيكتور يانكوفيتش الانخراط في المنظومة الاوروبية، وغادر في اليوم التالي إلى بكين لعقد صفقات تجارية في رسالة سياسية واضحة إلى الولاياتالمتحدة والغرب بشرقية أوكرانيا ومعاداتها للحلف الاطلسي..