حقاً.. هل نحن كذلك .. هل نحن مجتمع عاطفي وانفعالي ومندفع نرغب الحكم على الأشياء أو الأمور من ظواهرها فحسب ونبني على القشور أكثر مما نغوص في صلاحية اللب من عدمه، أسئلة كثيرة يحتار المرء في تفسيرها. لماذا نرسل أنظارنا أكثر مما نرسل عقولنا التي في صدورنا.. ونحكم من خلالها على الواقع. ولماذا نحن شعب عاطفي .. يُستدر بسرعة ويستغل بسرعة فإن أفقنا من الصدمة تكون درجات ردة فعالنا نحو الآخر قاسية وملتهبة.. على فترات يفكر أحدنا بجمالية بعض الأشخاص والرموز الأدبية والتربوية ذات الخبرات الطويلة التي لا تزال تصدح وتغرد وتشمر فكراً وإبداعاً بالرغم من تباعد السنين عن آخر مواقعهم ذات المسؤولية وما تعرضوا له من أمواج متلاطمة من النقد السيال والتشهير المجرح والتجني القاسي خلال تلك الفترة. تذكرت غازي القصيبي وحضوره الفاعل على الساحة حتى مع الغياب السرمدي عن عالمنا وتذكرت محمد الأحمد الرشيد المحارب المسالم الذي تواجد فكرياً وثقافياً وإعلامياً حتى اللحظة الأخيرة وبكل شجاعة وأدب.. وتذكرنا غيرهم .. وكيف عاش هؤلاء ألماً وأملاً على ضوء ردات فعل المجتمع.. منهم من زندقهم.. ومنهم من وصفهم بالخروج على التيار الإسلامي ومنهم من وصفهم بأقذع الصفات.. وألد العبارات لمجرد الاختلاف في الرأي وربما الفكر الإداري والتربوي. أتاحت لي بعض الظروف حضور مناسبات كان أبطالها في فترات متباعدة أشخاصاً مثل القصيبي .. والرشيد .. وغيرهم .. كانت لحظات زاحفة بالتناقض العجيب في المواقف.. فالليبراليون يصفونهم بالتشدد في الفكر والرأي، والمتشددون يصمونهم بالليبرالية والانفتاح التغريبي وكل يغني على ليلاه.. دونما تروٍ أو تمحيص فأنا أختلف معك في الرأي .. فأنت كما أرى أنا فحسب .. هل يصلح أن نطلق على فكرة إدخال الرياضة المدرسية للطالبات أنه مصطلح يخرج عن المِلة؟ هل من المعقول أن نوصف مفكراً ودبلوماسياً مرموقاً أنه شخص يتعصب للفكر الغربي لأنه طالب بتطوير العملية الإدارية من تخطيط وتنظيم وتحديد أهداف.. وهل يستساغ تكفير أمرىءٍ "ما" لمجرد أنه تبنى أكاديمياً علم البنيوية.. أو الحداثة. أقول قولي هذا .. وأنا كغيري أقيس ردود فعل مجتمعنا اتجاه من ..؟!! اتجاه الآخر ..؟!! لا بل اتجاه أحدنا ليس إلا من طينتا وبشرتنا بل وعقيدتنا.. وقد تكون عقيدته أصفى من كثير ممن هاجموه والتزامه مع خالقه ديناً وخلقاً وفكراً أصدق من كثير من المغالين في قذعه وتجريمه. وكأن الواقع يقول.. موعدنا يوم الجنائز.. كما قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه لمناوئيه نبحث هنا عن أسباب تطرف الكثيرين اتجاه الآخر – مسؤولاً .. أو مفكراً .. أو مصلحاً اجتماعياً لماذا نهاجم بلاهوادة .. ونعطل مشاريع تطويرية سبقت عقولنا بعقود .. فإذا ذهب زمنها.. رجعنا نطالب بتطبيقها. الذين هاجموا وزير العمل على سبيل المثال ودعوا عليه بالسرطان أو الهلاك قبل سنوات قليله.. ربما كانوا هم وشرائحهم الأسرية أكثر من استفاد من المشاريع التطويرية أو الإحلالية التي حاربوها يوما ً "ما" وطالبوا بتحريمها وعرضوا خلالها شخصية "معالي الوزير" سلمه الله لجلسات الإشعاع من المرض الفاتك بسبب دعواتهم تلك التي ذهبت أصلاً أدراج الرياح ليس إلا لأنها باطلة والعمل الصالح عند رحيل المسلم من الخواتيم المباركة.. فلننظر إلى من هاجمهم الكثير كيف كانوا يقولون ويكتبون عملاً صالحاً نحسبه عند الله والله حسيبه حتى لحظاتهم الأخيرة سواء بالقول والنصح والكلمة المكتوبة أو المغردة أو المنقولة بينما نحن متفرغون للبحث عن شهوة الذات والشهرة والحضور بمهاجمتهم والتشهير بهم.. فإن ودَّعوا الحياة استفقنا من غفوتنا وحبوتنا وزلاتنا وبدأنا نتذكر كثيراً من أعمالهم الحسنة.. ونسترحم عليهم.. والنقد حق مشروع ومتاح تجاه الآخر ولكن بعقل وواقعية بعيداً عن الغلو في القول أو تصيد أخطاء الآخرين والتشهير بها.. فإذا ذهبت السكرة .. جاءتنا الحسرة وما أجمل الإنسان أن يكون متوازناً في طرحه ودراساته وتفاعله مع الآخرين تحت مبدأ لا ضرر ولاضرار دونما استشارة المجتمع ضد الآخر .. وإسقاط مالايسقط عليه من القول والإفك والله تعالى لا يحب الجهر بالسوء.. فهل يتنازل البعض عن غلو القول والفعل اتجاه الآخر .. ويبقي أحكامه قائمة على المنطق والعدل والموضوعية أو يترك الحكم لأهل النظر والاختصاص حتى لا يفتي كل مفتٍ منا فيما لا يفقه أو يعلم .. ولا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ذلك أن التطرف في الرأي يقضي إلى التطرف في الفعل إذا لم يعِ مرحلة اللاوعي التي يرتكبها في غفلة من تركيزه الذهني والنفسي والشواهد لا تحتاج إلى أكثر من التأمل والتذكر والتدبر وختاماً – اذكروا محاسن موتاكم.