الحب نار والحرب نار وما بين النارين كرم ورغبة وحسد وعقاب وعصبية وألم؛ ومعان كثيرة يرمز إليها غالبا بالنار؛ دون الالتفات إلى معناها الفيزيائي وإنما استشعار الدلالات الغامضة والرموز المتناقضة بداخلها ما تتراوح بين معاني النبل والجمال ومعاني الشر والدمار. النار كائن مثير فاتن غني بالإيحاءات؛ ضوؤها الساحر يبدد الظلام وينعكس على الأشياء والأشخاص فيزيدهم إثارة وجمالا؛ تكاد لا تمنع جوارحك من الإعجاب المتناقض بلونها وتوهجها وقوتها وخطورتها ورومانسيتها. تغيب في تأمل تفاصيلها حين تولد من بين الدخان وتنضج وتنتشي فرحا وترقص وتتطاير ثم تهدأ وتموت. حول النار تحتك الأيدي وترتعش الأكتاف ويشعل الدفء أطراف الليل البارد. يحلو الكلام في مشهد شاعري أبطاله رائحة القهوة الممزوجة بنكهة السمر تعبق الأجواء؛ طقطقة الفناجيل وهسهسة الحطب تعزف بالمكان موسيقى تصويرية من الطبيعة تقطعها ضحكات وأحاديث المتسامرين. لقطة سينيمائية تتكرر كل ليلة من ليالي الشتاء الصحراوية ضوء وصوت وإحساس ورائحة تغري العشاق والشعراء والفنانين وأصحاب الإبداع فيتحلقون حولها لتمدهم بالنور والدفء والأمان وتذكي روح الإبداع والخيال الفني والإنتاج الشعري مما لا يكون بدونها. ملأت النار تراث الشعوب بالأساطير والقصص منها ما يقول إن النار تصل الإنسان إلى نهر الفن الخالد لذلك كان الشعراء يضعون أقدامهم في النار حين قول الشعر ولا يستطيعون قوله إن لم يفعلوا ذلك. حتى إن ممسوخي الفطرة عبدوها وأقاموا لها الأعياد. أما نار العرب فلها معان خاصة ارتبطت بحياتهم وبيئتهم؛ حين يغيب المسافر ليلا في أحشاء الصحراء ووحشة الليل تكون النار رفيقته تبدد خوفه وظلمته؛ كذلك تكون سميرة العاشق يرى ضلوعه المشتاقة في الحطب المحترق؛ كما أنها تلهم الشاعر بالصور الخيالية والفنون البلاغية؛ وتزيد إيمان العابد فيستشعر خشية الله والاستعاذة من عذاب جهنم نعوذ بالله منها. وهناك أنواع كثيرة من نيران العرب ألفت فيها الكتب وخصصت بشأنها القصائد؛ ومهما تحمل النار من دلالات ورموز فإن نار الحب هي أقواها وأكثرها انتشارا ومعظم علاقات الحب تبدأ بدخان وتنتهي برماد؛ تحرق المغرم وتكوي الملتاع بالشوق والفراق والغيرة؛ ولا عجب ارتباط النار بالحب فمنذ القدم كانت بداية اشتعال النار من احتكاك حجرين واصطدامهما ببعض في ليل شتاء بارد! تصوير: ابراهيم الرحيمي تصوير: صالح الغشام تصوير: عبدالله الحساوي تصوير: حاتم السويداء تصوير: علي الكويليت تصوير: حاتم السويداء تصوير: علي الكويليت تصوير: محمد عبدالعزيز تصوير: عبدالله العمير تصوير: عبدالعزيز اليعيش