مسترجعين التاريخ من أقاصي الذاكرة.. متأملين الماضي الجميل لحقبة انقضت من أعمارهم.. توقف قدامى سائقي حافلات وسيارات النقل القديمة هذه الأيام أمام مشهد دك معدات وآليات القطع الصخري والهدم لمقار أقدم شركات النقل في المملكة الواقعة على قارعة حي الزاهر "طريق قاصدي بيت الله الحرام من شمال مكةالمكرمة" وذلك لصالح مشاريع تنموية جديدة. ولأول مرة يكشف الستار عن داخل مقار الشركات التي تقع على مساحة كبيرة بهدم الأسوار القديمة المبنية بالحجر وفتح البوابات الكبيرة أمام المعدات بعد أن ظلت لأكثر من 30 عاما مغلقة، وبفتح بوابات المقار القديمة ينفتح تاريخ 70 عاما لتأسيس أولى الشركات المتخصصة في النقل عبر الحافلات والمركبات الصغيرة ممثلة حقبة جديدة لتاريخ النقل في السعودية لتودع تعب استخدام الجمال والدواب في النقل. ولفت الباحث المهتم بتاريخ المنطقة وعمدة حي جرول طلال الحساني أن الموقع يعتبر مجمعا قديما لأقدم أربع شركات للنقل في المملكة هي شركات التوفيق والمغربي والكعكي والشركة العربية في منطقة عرفت بالبيان وذلك لوقوعها بجوار أبواب مكةالمكرمة القديمة التي كانت تغلق ليلا وتفتح من الصباح إلى قبل المغرب فيما هدمت هذه الأبواب في حدود عام 1386ه، وأشار الحساني إلى أن مهمة شركات النقل لم تكن لنقل الركاب فحسب بل كانت لنقل وتوزيع البريد الحكومي على الجهات الحكومية بين المدن والقرى بما فيها من تعاميم وخطابات وتكليفات وقرارات حيث تخصصت الشركة العربية بهذه المهمة. تاريخ طويل تحمله المنطقة وأبان أن الموقع احتضن ما يعرف "بالكوشان" الذي يعتبر مركز استقبال الحجاج حيث يقوم بدلالتهم إلى مقار سكن الحجاج حول الحرم المكي ثم استبدل بالسؤال. ويشير فازع بن صالح اللحياني من قدامى السائقين وأحد الذين عملوا في تلك الشركات أن إنشاء تلك الشركات وفر وظائف كبيرة لأبناء مكةالمكرمة والقرى المحيطة به كسائقين وعمال وفنيين وإداريين مشيرا إلى أنه اشتغل في تلك الشركات في عام 1374 ه براتب شهري قدره 70 ريالا. جولة الرياض في الموقع كشفت بقايا مبان وأسوار وغرف تاريخية بنيت بالحجر وسقفت بالأخشاب كانت بمثابة مراكز للصيانة ومستودعات لقطع الغيار وسكن للسائقين والموظفين.