مجتمعي السعودي العزيز على قلبي بكل تناقضاته المضحكة أحياناً والمندفعة بحماسة وغيرة في أحيان أخرى، اسمحوا لي أن أمشي معكم بخطى هادئة في هذا المقال لمناقشة ما تناقله الناس مؤخراً عن جامعة نورة ونشاطها الرياضي (معا لصحة أفضل) بما أن الركض قد يكون محرماً عليّ وعلى بنات جلدتي من النساء حسب ما يراه بعض أبناء وبنات مجتمعي! لن أستخدم كلمة المارثون وهي من العبارات المستوردة والغريبة على بيئتنا المحافظة، لأنها قد تستفز بعض العقول وتشتتها، إضافة إلا أنها قد لا تكون دقيقة، وأشك أن تكون الطالبات في جامعة نورة قد ركضن لمسافات طويلة ليسمى ما قمن به (ماراثوناً) فهو إذاً لا يعدو عن كونه نشاطاً للركض لكسر الروتين والتشجيع على الحركة وخلق أجواء مرحة لطالبات هن في ذروة شبابهن وعنفوانه، فلماذا هاج البعض وماج وحاول ارتقاء سدة ( التويتر) بنشر صور مسربة لبنات يركضن، والتشهير بهن وبجامعتهن ويجعلهن نداً له وخصماً أمام الله بدلاً من أن يستنكر الجرم الأكبر في تصويرهن وهن غافلات ونشر صورهن للملأ وهن لم يقمن بشيء سوى الركض ؟ّ! ومن قال بأن السباق أو الجري أو الركض محرم على النساء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد سابق أم المؤمنين عائشة مراراً فسبقته وسبقها. أضف إلى ذلك أن جدات وأمهات كل من أنكر واستنكر سباق البنات في جامعة نورة كن يتسابقن بينهن مرات ومرات في (كشتاتهن)( مزارعهن) (أحواش بيوتهن ) (ومؤخرا استراحاتهن ) وبرضى ومرأى من محارمهن ولم ينكر ذلك عليهن أحد؟! وإذا لم يعلم بذلك بعض الرجال السعوديين الغيورين فلتغفر لي من أخفت عن أبيها أو زوجها أو أخيها أنها إنسانة لها الرغبة والقدرة على أن تطلق ساقيها للريح وتسابق متى ما اشتهت ذلك، إفشائي لسرهن وما يترتب على ذلك من صدمة لهم قد تؤذي الصورة الخرافية المرسومة في خيالهم عن النساء السعوديات المحترمات سواء كانت سيقانهن طويلة أم قصيرة. لكني مع ذلك أؤكد لكل من لديه شك في ذلك أن يرجع بذاكرته للوراء وسيجد فيها صوراً مشابهة للصورة المتناقلة في تويتر لقريبات له وهن مطلقات سيقانهن للريح لتكن إحداهن الأسبق والأسرع، سواء كانت منتعلة حذاء رياضياً أم حافية! الجامعة نظمت نشاطاً رياضياً في بيئة نسائية قائماً على ركض الطالبات بغية توعية الطالبات بصحتهن وهو لا يختلف عما كن يقمن به من ركض في ساحات مدارسهن في مراحل سابقة إلا في التنظيم والتنسيق ومع ذلك لم يحلُ ذلك لأصحاب المقامع ممن يرى في قمع المرأة التي أنجبته وأنجبها بقاء له. لم يفكروا بأن الجامعة قد سعت بنشاطها هذا إلى إبهاج طالباتها واستثمار حماسهن بشيء مفيد، لأنهم يستكثرون على المرأة أن تقوم بشيء لها ولصحة بدنها ويرون الصواب يكمن في شيء آخر مفيد لهم أولا وليس لها، ولهذا استنكروا وغردوا وأشهدوا العالم علينا أننا مجتمع يحب أن يشتم نفسه ويشمت أعداءه فيه بتناقضاته وظنونه التي تجعل منه مجتمعاً كارهاً لنفسه.