كيف تنظر الكاتبة العربية الى لعبة كرة القدم؟ هل تجد فيها تكريساً للثقافة الذكورية لكونها لعبة عنيفة؟ هذان السؤالان طرحناهما على كاتبات عربيات من أجيال مختلفة، بعضهن آثرن إبداء رأيهن، سلباً أو إيجاباً وبعض آخر منهن رفضن الإجابة. ولئن كانت لعبة الفوتبول «ذكورية» بامتياز فهذا لم يحل دون اغرائها المرأة، كمشاهدة طبعاً، تتابع الفرق والمباريات بشغف تام. علاوة على انطلاق فرق نسائية تتقن شروط هذه اللعبة وتجري مباريات هي وقف على النساء. هنا شهادات الكاتبات. *غادة السمان (كاتبة سورية) ككاتبة انظر الى لعبة كرة القدم كما ينظر القط الى قطعة جبن شهية بحجم ملعب كرة قدم... ففي الحرب العالمية «الكروية» او «المونديال» إمكانات فنية أدبية أفلح بعض الأدباء في توظيفها ابداعياً... ثمة الكواليس والمكائد والصفقات المالية والنساء و... ولا أرى ان لعبة كرة القدم تروج ل «ثقافة الذكورة» - وهو تعبير ملتبس - بل أرى في الملعب شاشة تلفزيونية عملاقة أفقية ترتسم عليها المشاعر البشرية بكل ما فيها من زخم وتناقضات ومكائد وسمو وسقطات ومباهج صغيرة وخيبات و... و... لا أشعر بالغصة لأن «سيقان» زيدان وريبيري وتيري هنري تدر عليهم من المال ما لا يدره عقل اينشتاين وموهبة نجيب محفوظ.. فلكل موهبته وحقله والناس أحرار في ما ينفقون عليه.. سيقان فيفي عبده أو رونالدو! ثم انني كاتبة عاشقة للحرية، ولم اسمع يوماً ان احداً كمم الناس وقيدهم وأرغمهم على مشاهدة مباراة او التصفيق لهذا او ذاك... وكرة القدم ليست قنبلة، وحرب «المونديال» ليست فيها معسكرات اعتقال ومن لا يرغب في مشاهدتها كل ما عليه ان يفعله هو ضغطة زر يبدل بها القناة التلفزيونية... ولعل من المريح ان ينشغل الكثيرون ب «المونديال» ويحظى كوكبنا بإجازة من همومه اليومية وما اكثرها... ومن شرور البعض وما اكثرهم ايضاً. لدي غصة واحدة كمواطنة عربية هي غيابنا كعرب عن «الفعل» حيث نلعب دور المتفرج الذي «يستورد» الفريق الذي يؤيده... حتى في هذا الحقل، نلعب دور المفعول به لا الفاعل. لماذا لا يربح «المونديال» فريق عربي ذات مرة ما دام الملايين منا يتابعون المباريات؟ «ألسنا خير من «ركب المطايا...»؟ ماذا عن ركوب الريح فوق صهوة كرة قدم؟ *ليلى العثمان (كاتبة كويتية) لا أخفي كراهيتي الشديدة لهذه الكرة المستديرة الصغيرة القادرة على استقطاب عقول ملايين البشر في كل مكان وزمان، والتي تحظى باهتمام الحكومات التي تسخر جزءاً كبيراً من ميزانية الدولة لأجل بناء أكبر المدرجات ومقرات الأندية الرياضية، بينما لا نجد هذا الكرم يشمل مباني المؤسسات الثقافية التي في غالبيتها آيلة للسقوط على رؤوس أعضائها. أما اللاعبون فهم يحظون بالرعاية والاهتمام والعطايا كما يحظى الأبطال المشاهير بملايين الدولارات، وقد أصبح لكل لاعب ثمنه الباهظ الذي يفوق أثمان أندر التحف واللوحات الفنية العالمية. وهناك أسباب أخرى لكراهيتي هذه اللعبة فهي تحظى بجمهور كبير لا نجد حجمه في الأدب والثقافة. ففي الوقت التي تكتظ ملاعب الكرة نجد قاعات المحاضرات الأدبية والفنية والأمسيات الشعرية تخلو من الجمهور إلا قليلاً. وفي حال فوز فريق كرة قدم نجد الهدايا من الوزن الثقيل تهدى لهم كالسيارات والميداليات الذهبية والأموال، بينما لا يحصل الأدباء والمفكرون والعلماء إلا على الدروع المعدنية وشهادات التقدير البائسة. ويبدو أن الذي يستخدم قدمه أهم بكثير ممن يستخدم عقله. إننا نحتمل على مضض موسم المباريات المحلية التي تزدحم بها الشوارع وتسبب الكثير من حوادث المرور وتعتدي جماهيرها الغفيرة على مواقف سياراتنا ومنافذ بيوتنا، عدا الصراخ الذي يصاحب عملية التشجيع حتى نهاية المباراة، ثم يخرجون الى الشارع ليتشاتموا ويتقاتلوا بسبب فوز فريق على آخر، وكأن كل فريق يثأر لشرفه وكرامته ولمن قتل أحد أبويه. أما الطامة الكبرى فهي حين تبدأ مباريات كأس العالم، فتحدث معها حالة استنفار غريبة في كل البيوت تفوق حالة الاستنفار لامتحانات المدارس التي لا تشغل الأهل وحدهم بل حتى الطلبة أنفسهم، فيهملون دراستهم ويقضون الساعات أمام شاشة التلفزيون. الأخطر من ذلك هو الشقاق الذي يحدث بين أفراد الأسرة حين لا يتوحّدون على تشجيع فريق واحد، فيشتد تحيز كل فرد ضد الآخر لدرجة العراك والتشابك بالأيدي. لقد ازدادت كراهيتي لكرة القدم بعد الذي حدث بين مصر والجزائر، فهي استطاعت أن تشحن الشعبين بالغضب والحقد وتدمر العلاقات العربية بين البلدين، ويبدو أن الكرة قادرة ان تفعل ما لا تستطيع إسرائيل أن تفعله. ما سر هذا العشق الهائل المجنون لهذه الكرة الصغيرة، شاغلة العالم ومن فيه؟ أتمنى لو تحب شعوبنا العربية أوطانها كما تحب لعبة كرة القدم، وتدافع عنها كما تدافع عن الفريق الذي تحبه. *عالية ممدوح (كاتبة عراقية) شغوفة جداً بلعبة كرة القدم، وذاك الوقت الذي يتلعثم ويفصح به اللاعب بقدميه بدلاً من لسانه لكي يؤلف الهدف. هذا الأمر يستهويني بصورة خارقة فهو حاشد بالإثارة والاحتدام. فالهدف بذاته مثابرة على الوجود، والحيوية، والصحة الروحية، وهو أمر لا يعود شخصياً أو ذاتياً، هو صناعة فريق عمل، هو اقتناص وصيد للوقت، للأخطاء، ولغفلة الغير، وأشياء كثيرة. كل هذا يتم وبعد تحضير مرير، مربك ومهلك، فنتلقاه نحن كعلامة أو إشارة، لكنه، بالضبط هو الأمر الذي استغرق شهوراً من العزلة الفائقة ومن احتمالات الفشل. كل هذا (وغيره) يضعني تماماً في وصايا الكتابة وصيرورتها الدائمة وورطتها الوجودية ما بين الصمت والابتعاد، التدريب والمحو، التأليف والحذف. كرة القدم تتفاوض اليوم بأكثر مما يدور أمامنا على الملاعب، هي تصنع المتعدد، المختلف، ماكرة، مراوغة، وخادعة ولا تخضع لأي مقياس. أنا أسميها لعبة ابتكار مشكلة لا حل لها، فالهدف المصنوع المثير ليس هو الحل، هو مجرد تجاور لحل آخر تبقى شهيتنا مفتوحة لانتظاره. ما نشاهده في الثلاثين سنة الأخيرة، أن نسبة النساء مثلاً اللاتي نشاهدهن في المباريات لافتة بصورة لا نظير لها، ومن الجائز، هو استعمال للهامش الذي كان صغيراً من ثقافة ذكورية تامة العدة والعدد، اهتزت أيضاً كما اهتز غيرها فاتسع المكان، وازداد بريقاً حين أخذت الشابة حصتها من الرياضة والساحة والملعب والذاكرة. فدولة محافظة كإيران فريقها النسوي الخاص بكرة القدم يخوض مباريات، ويحقق فوزاً مهماً، فلا يفكر المشاهد بعثرات الثياب السميكة التي تقيده. *نجوى بركات (كاتبة لبنانية) لطالما نظرت إلى لعبة كرة القدم كلعبة سخيفة - كرة تتراكض بين الأقدام يتراكض معها فريقان ومن حولهما جمهوران، أمّتان، عالمان... إنما، حين صدف أن توّرطت بمتابعة بعض مباريات المونديال، وجدتني «عالقة» متحمّسة أنظر وقلبي على كفّي إلى أعضاء «جماعتي» وهم يربحون أو يخسرون. وحين صدف أن طالت المباراة فلم تسفر مثلاً عن تسجيل أي «غووووووول»، وجدتني وقد مللت فتركّز انتباهي على جاذبية بعض اللاعبين، ثم على دوافع استماتتهم في الركض مشكّكةً في طابعها الرياضيّ، ثم على الجمهور والعنصر النسائي منه بالتحديد وقد بات أكثر حضوراً وذكورةً كأنما يقتضي قبولهنّ هنا تخلّيهنّ عن أنوثتهنّ إذ تظهر وجوهنّ «متزيّنة» بشعور اصطناعية قبيحة ملوّنة بألوان فريقهن وبقمصانه وأعلامه وهنّ يقمن ويقعدن ويهتفن كأقرانهن من الذكور. وحين يغادر ذهني الملعبَ كلَّه، يهولني أن أتخيّل العالم بأكمله منقسماً في هذه اللحظة»... في باريس حيث أحيا، شاهدت أخيراً مباراة إنكلترا/ الجزائر، وكان طريفاً جداً أن أستمع إلى التعليق الفرنسي عليها، إثر خسارة الفريق الفرنسي وخروجه المحتوم من المونديال. ندر أن تلفّظ المعلّقان بجملة واحدة تثني على حسن أداء الفريق الجزائريّ، إذ استمرّا يتعجّبان مصعوقين بسوء أداء الفريق الانكليزيّ الممتاز طبعا في العادة. ومفاده: لا يمكن أن تربح الجزائر - وهو البلد الذي استعمرته فرنسا - بعد خسارة فرنسا مباراتين. لذا، فلا بأس من الانحياز إلى انكلترا، عدوّ فرنسا التاريخي. هذا هو بالضبط ما أكرهه في كرة القدم: أن يصير الفريق اللاعب بلاداً، وأن تتدخّل المشاعر القومية تأييداً وكراهية، وأن أضطرّ إلى النظر إلى لعبة بدافع أنها وسيلة لتنفيس العنف وبديل لحروب تبقى أبداً محتملة. *ميرال الطحاوي (كاتبة مصرية) كرة مستديرة هائمة أقف بمواجهتها وهم يركلونها، الصبية في البيت الواسع يغازلونها بمحبة واحتقار، تدور بين أرجلهم الحافية أنثى مكتملة منتفخة بالهواء والقش، بالحيرة والتلعثم، كرة مطاطة تمتص الغضب والحماسة والمراوغة بين أرجلهم. أقف بين ناصيتين والأخوة الذكور يدفعون بها باتجاهي، أحتضنها بخبرة من عرف معنى الركل والألم، أضعها بين ذراعيّ محتفلة بنجاتها من شرك الشباك. اللعبة التي فتحت أبواب أسئلتي على حيرة الأنثى، لم تعرف أقدام الإناث، أشم ساقي فتهزأ مني وتقول إنني أهوى ألعاب الصبيان: «أنت بنت»، فأضع أسئلة الحيرة أكثر، وماذا يعني ذلك؟ الشباك التي أقف فيها بعناد، أركز بصري باتجاه دورانها المربك، حينما طفرت بعض الاستدارات المشابهة في جسدي كان عليّ أن أتوقف عن حراستها، صرت أجلس على الشرفة متأملة المباريات الحامية ولهاث الراكضين حولها، والفائزين والخاسرين حول شقائها. الفريقان المتناطحان في جولاتها كانوا دائماً بلباس متنافر، الأبيض المحايد، في مواجهة الأحمر القاني، الألوان التي تتضامن تكشف لي دلالاتها العفوية، الأبيض المسالم للموت والأعراس، ورحلات الحج والعجز والاستسلام وخطوط الشنق والأحمر الدموي المطارد للذبيحة بين أقدام صيادها. الأعلام المتناحرة في أيدي المشجعين وصيحات الانتصار لا تعني سوى قبلة على استدارتها أو ركلة جديدة بين خطوط التماس، وخطوط الأرق في أرض العراك. في مواجهة القمر المكوّر في السماء أخطو نحو مراهقة خلّفت وراءها غبار الألعاب وألف الركض وذكرى أول انكسار لعظام يدي التي تلقت تلك الضربة القاسية وأنا أحتضن كرة وأقف بين شباك ضيقة صارت هي بيتي، أحتضنها باليد الأخرى. قاسية هي السقطات الأولى، والمعرفة الأولى بقوانين الضعف والأنوثة. تتعلق يدي المصابة بالقلم وأكتفي بالتصفيق لنجاة الكرات من شراك الهزيمة. لا أعرف من الغالب أو المغلوب وأكتفي بفرح النجاة من مصير مأسوي لكرات سقطت في شباك صيادها. أبحث في استدارة الأشياء، في امتلائها الهش، وفي الأقدام التي تركض وتركض بحثاً عن انتصارات أو هزائم محتملة. فلك من كرات صغيرة. فلك كروي من كواكب ونجوم تدور راسمة الإخفاق والتحقق والحظ المتعثر، والسعد والقلق. في دورانها الكوني نكتشف قوانين الجاذبية والذكورة وكل شيء. *أشجان هندي (شاعرة سعودية) علاقتي بكرة القدم علاقة «دائريّة» كالكرة نفسها؛ بمعنى أنها قابلة للتبدُّل والتحوُّل والدوران مثل «الكرة» التي ليس لها وجه واحد فقط تثبت عليه. علاقة طيّبة بحذر وانتقائيّة... أهتم بلعبة كرة القدم كأي مُنجز إنساني آخر، حين أنظر إليها من ناحية إبداعية فنّية. من ناحية أخرى أحسد كرة القدم أو أعجب من قدرتها الهائلة على إدارة الرؤوس وعلى جذب الملايين من الناس وإشغالهم والتأثير فيهم أكثر من غيرها. كرة القدم قادرة، بلا منازع، على الوصول إلى العامّة والخاصّة وعلى ترويج نفسها، كمُنجز إنساني. وليت المُنجز الثقافي، كمُنجز إنساني أيضاً، يمتلك هذه القدرة في الانتشار والوصول إلى العامة والخاصة كما هي حال كرة القدم. *هالة كوثراني (كاتبة لبنانية) لم أبذل جهداً كافياً لبناء علاقة ما بيني وبين لعبة كرة القدم. فكرت في الأمر قبل 12 عاماً ربما، وحاولت قليلاً أن أغرم باللعبة، لكنني أغرمت بصور أبطالها، ووجدت نفسي مع صديقات نبحث عن قصص أبطال الكرة ونجومها لا عن تقدير «تكتيكات» اللعبة وفنونها. أظنني لم أحاول بجدية أن أسلّم وقتي لسحر كرة المونديال. تتابع أخبارها شعوب الأرض المقموعة قبل الشعوب غير المقموعة، ويركض خلفها شبان فتحت لهم أبواب العالم كلّه، وتطاردها عيون و (قلوب) مئات ملايين البشر في الملاعب وخلف شاشات عملاقة أو صغيرة. هذه الكرة تصنع نجوماً عالميين ومجداً موقتاً أو مستمراً وأحلاماً بلغات مختلفة. ومهرجان المونديال يحوّل المساحة الخضراء إلى مكان سحري تلتقي فيه ثقافات مختلفة وتواريخ مختلفة وحروب وأكثر من ماضٍ وذكريات شعوب مستعمِرة وذكريات شعوب مستعمَرة. هنا تحديداً أنضمّ إلى المهرجان لنشجع في بيتنا دول العالم الثالث وتلك التي ما زالت تعرج لأنها لم تتخلّص بعد من أثقال الاستعمار. *فوزية أبو خالد (كاتبة سعودية) أنا من المهوسيين بهذه اللعبة، ومنحازة في هذا المونديال إلى بعض الفرق وأتمنى فوزها. ولكن للأسف لا يمكنني متابعتها بصورة مستمرة، بسبب عدم توافر قنوات العرض لدي، وإن كنت كلما أتيحت لي الفرصة أقوم بزيارة خاصة إلى ولدي من أجل متابعة المونديال، كما أتابع أخباره عبر الصحف. وإن كان من المؤسف أيضاً مصادفة موعد إقامة المونديال سنوياً مع موعد الامتحانات، ما كان يضطرني في السابق إلى دعوة أبنائي للنوم مبكراً، من أجل إيقاظهم لمشاهدة المونديال في منتصف الليل بسبب الفرق في التوقيت. وتعمل هذه اللعبة، بما يتوافر فيها من جرعات حماسة، على إنعاشي، كما تستهويني وتنعشني أيضاً متابعة نمو اللاعبين وتطورهم عبر السنوات. وأحب ما تكرس وما تحوي من مفاهيم، ومنها التعاون والمنافسة والمناورة، والصراع السلمي، وإن كنت أرى أنها تكرس الثقافة الذكورية إلى حد كبير. *سمر يزبك (كاتبة سورية) في المراهقة كان شغفي هو البرازيلي «سقراط»، كانت كرة القدم هي القفز عن الأريكة والصياح والانخراط في فعل شعبي، هو منتهى السخرية الآن! باعتبار أننا الكتاب العرب جئنا الى الأدب من منطقة سياسية، وكل ما كان يدور يرتبط بهذا الحس. الآن لا تغريني كرة القدم. أتأملها كدمية من خرق، وأسخر كثيراً من شعارات الروح الرياضية، هذه الخديعة الكبرى، فنحن نلعب حتى نحقق الانتصار ونفوز. وتشعرني حالة الهياج الجماعي البشري في أوقات المباريات بحزن لا حدود له، لكنها تدفعني للمشي في شوارع مدينتي الفارغة! شيء بسيط يجعلني في المباراة النهائية لكأس العالم أتابع حركات اللاعبين على أرض الملعب، ورغبتهم في تحقيق هذا الانتماء ذي الأصل المتوحش في الإنسان: البقاء للأقوى. شيء ما يعينني على الحياة، ويعلمني مناورتها، وأنا ألمح بريق عيون المنتخب الفائز. شيء يحفزني على العيش. ربما تكون لعبة كرة القدم ذكورية على مر التاريخ، لكن هذا لا يعنيني الآن - في داخلي أنثى وذكر - لكن كرة القدم جزء من منظومة كاملة من القيم الاستهلاكية والمكرسة لسياسة الأقوى، بدءاً من الاحتكارات التجارية للشركات العملاقة، وانتهاء بتسليع اللاعبين. ولا عجب أن تكون من حق الذكور، فهم وبأيدي نساء، يقررون الحرب أيضاً! الأمر معقد ولا يمكن اختصاره بجملة واحدة! *منصورة عز الدين (كاتبة مصرية) أعتقد أن الرياضة، طوال تاريخها، هي مؤسسة ذكورية بامتياز. ومن بين أنواع الرياضة المختلفة تم تصوير كرة القدم ضمن أكثر الرياضات ذكورية، بحيث ظلت لعقود طويلة مقصورة على الرجال، كما أنها ترسخ تفوق الرجل على المرأة. حتى حين قامت النساء بغزو هذه اللعبة لم يحققن شعبية مماثلة لشعبية الرجال فيها. كثير من لاعبات كرة القدم على مستوى العالم يشتكين من رهاب المثلية الذي يحاصرهن، فحتى المجتمعات الغربية، ناهيك عن الشرقية، تنظر بعين الشك إلى المرأة التي تلعب كرة القدم. هؤلاء اللاعبات يُواجَهن دوماً بسؤال: هل أنت مثلية؟ على العكس من ذلك يتم النظر إلى اللاعبين الرجال باعتبارهم نماذج للرجولة والجاذبية الجنسية. ربما كان أندي وارهول من أوائل من تنبأوا بأن الرياضة وبالأخص كرة القدم ستحل محل السينما في مد العالم بمثال الذكورة. نجم الكرة المثالي، هو بالضرورة، فائض الرجولة، ماهر، جذاب، قوي، مصحوب بصديقة أو زوجة جميلة ومثيرة جنسياً، يُفضل أن يتم تصويرها على أنها لا تفهم في اللعبة على الإطلاق، وفق الصورة النمطية الشائعة عن أن النساء لا علاقة لهن بكرة القدم. لكن بعيداً من هذه الرؤية، وبمنتهى الصراحة، لا يهمني (كمشجعة)، إن كانت كرة القدم ترسخ القيم الذكورية أم لا. فهي بالنسبة الي فن قائم بذاته قبل أن تكون لعبة رياضية، أو كما وصفها بازوليني هي العرض الذي حلّ محل المسرح. من الضروري فهم الآليات التي تحكمها والقيم التي ترسخها، ولكن في الوقت نفسه، الأهم هو تنحية كل هذا رغبة في الاستمتاع بلعبة تشكل جزءاً أساسياً من طفولة كل من يحبونها وحياتهم. *سلوى بكر (كاتبة مصرية) أتمنى ألا أجد في أي صحيفة أقرأها صفحات لكرة القدم. هذه الصفحات لا أقرأها أبداً من منطلق أنني لا أجد في نفسي الرغبة في معرفة أي معلومات عن تلك اللعبة. لا أحب كرة القدم لثلاثة أسباب: أولاً أنها تقوم على الصراع وهو أمر يزعجني، مع أنني أبدو مقاتلة ولكنني لا أحبذ الصراع وليست عندي قدرة عليه. ثانياً لأنها تستقطب تكالباً جماهيرياً في العالم كله. وثالثاً لأنها تخلق «نجوماً» في شكل غير عادي ويفتقد من وجهة نظري إلى المنطق بحيث تتركز الأضواء على لاعبي كرة القدم طوال الوقت على حساب لاعبين متميزين في ألعاب أخرى. أما من حيث أنها ترسخ الذكورية، فإنني أعتقد أنها تفعل ذلك. لكن هناك أشياء أخرى غيرها ترسخ الذكورية في المجتمعات الإنسانية كافة وكرة القدم هي أحد وجوه الذكورية المهيمنة على البشرية كلها. *سمر الضامن (كاتبة سعودية) علاقتي بكرة القدم عدائية، نتيجة اعتقادي بأنها ببساطة «أفيون الشعوب». وموقفي هذا منها ليس معناه أنني لا أتابعها، لكنني لا أطيق ما تردده الإعلانات حولها عندما تصفها بمبالغة فجة، بأنها الحدث الأهم عالمياً! وهذا في رأيي قول عجيب، إذ كيف تكون لعبة رياضية هي الحدث الأهم؟ أليس ثمة دول محتلة؟ ألا يمر عالمنا بكثير من الأحداث والمجريات المهمة؟ ولأكون صريحة، فهذه اللعبة تحولت في اعتقادي إلى سوق كبيرة للمتاجرة حتى باللاعبين، وهذه تحيلنا إلى عصور الاستعباد، وتذكرنا بأسواق النخاسة. *أمينة زيدان (كاتبة مصرية) أتابع رغماً عني هذه الأيام بعض أحداث مباريات نهائيات كأس العالم لكرة القدم، تلك اللعبة التي يقول عنها الأميركيون إنها لعبة مضجرة، ويقول عنها أبي «إنها لعب عيال». لا يستطيع المرء أن يدخل مكاناً من دون أن يجد نفسه مضطراً في كثير من الأحيان إلى مشاهدة إحدى مباريات كرة القدم أو الاستماع إلى تحليل أو تعليق حول إحدى المباريات أو هذا اللاعب أو ذاك. ستشعر بأن كرة القدم تشعل حيزاً من وقتك شئت أم أبيت. ستنشغل حتماً بأخبار هذا اللاعب أو ذاك وثمنه، وأخبار هذا الفريق أو ذلك وهزائمه أو انتصاراته. لن تجد وقتاً لتعرف شيئاً عن نتائج انتخابات البرلمان مثلاً أو أن تتابع وحش النفط الذي يتصاعد من قاع المحيط، وبالطبع لن تسأل عما تم في خصوص المذبحة التي ارتكبها الإسرائيليون ضد ركاب إحدى سفن «أسطول الحرية» قبالة ساحل غزة لأن الكرة أصبحت أفيوننا. أما دورها في ترسيخ الذكورية فهو ليس في حاجة إلى كلام، فالذكورية مترسخة أصلاً في شكل عنيف، ويتجسد ذلك في توجه عنيف للغاية ضد المرأة بما يحتوي عليه من عدم تقدير لدورها ومن تدن في مستوى الأداء العام تجاهها. نعرف بالطبع أن هناك فرقاً نسائية لكرة القدم لكننا ندرك أننا لن نأخذها بجدية لأن اللاعبات يتمتعن بأجساد رياضية، وهذا في ذاته يثير رغبات أخرى غير الرغبة في التمتع بمشاهدة المباراة. *سامية عيسى (روائية فلسطينية) شخصياً لا أتابع مباريات كرة القدم إلا في مونديال كأس العالم وليس لأنها تنتمي الى الألعاب الذكورية بل لضيق الوقت المتاح لدي. ولكن في مباريات كأس العالم تسود العالم بأسره حالة من الحماسة بسبب حمى التنافس بين الدول للفوز بالكأس، وهو ما يحفزني كإنسانة - ترتبط غريزياً بحركة الجموع - لمتابعتها. أظن أن المسألة تتعلق بكوننا كائنات اجتماعية تتوق الى ممارسة كينونتها الاجتماعية في الأحداث الكبرى التي تعبّر فيها عن فرديتها وسط القطيع الجماهيري، وهو ما نشهده في التحركات الكبرى كالتظاهرات والانتخابات والاحتفالات العامة للموسيقى مثلاً. لكن كرة القدم تتميز بكونها تبث روح التنافس بين المجتمعات والشعوب من غير أي إراقة للدماء، وتخلق حالة من الهستيريا الجماعية تنفس فيها الجموع عن أناها الجماعية والفردية بالتماهي مع اللاعبين الذين ينتمون حتى إلى بلد آخر. ولكوني فرداً في هذا الجمع، أحب أن أنضم إلى هذه الحالة الحماسية سواء كنت كاتبة أم لم أكن. ولكن هذا قد يساعد في شكل غير مباشر في أن أكوّن فهماً أكبر لهذه العواطف الحماسية الجياشة الكبرى وسبر عوالم هذا الكائن الذي هو الإنسان في علاقته بالجماعة، ويساعدني هذا الانخراط في لحظ علاقة الفرد بالقطيع الأكبر والتي هي علاقة خطرة حين تحل رياح التغيرات الكبرى في حياة هذا الكائن الفرد. كرة القدم لعبة تنافسية ذكورية عنيفة. ولكن لكونها هكذا ليس بالضرورة أن تشجع على الثقافة الذكورية، بل هي تشجع على ثقافة الفوز وتؤجج هذه الثقافة، وأنا بهذا المعنى أحبها. وهي كلعبة رياضية تنضوي في المجال الإبداعي لأن اللعبة تحتاج إلى روح العمل كفريق، وهذا بدوره يتطلب تنسيقاً له شروط علمية وإبداعية وأخلاقية. فاللعبة تتطلب وضع استراتيجية لتحقيق الفوز ووضع تكتيكات إضافية، وتتطلب تناغماً بين الفريق هو أشبه بعزف موسيقي أو رقص بالأقدام وتشكيل وإعادة تشكيل. *رزان المغربي (كاتبة ليبية) الرياضة حضارة، وعليه تشكل نتائج المنافسة فيها تعويضاً سلمياً عن الحروب الحقيقية. إلا أن كرة القدم التي اختص الذكور بالانفراد بلعبها، أفرزت جملة من التقاليد، وهي التي كانت تقتصر لعباً ومشاهدة وتشجيعاً، على الرجل، وبهذا يكون له الحق في فضاء يتحرك فيه، بعيداً من المرأة إلى حين تغيرت منذ زمن المفاهيم حول اللعبة، وبتنا نرى أن لا فارق كبيراً أو لا خلاف عليها، بين المرأة والرجل. فهناك رجال لا يتابعون المباريات ولا تستهويهم، وفي المقابل نرى أن الكثيرات من النساء يستمتعن بتشجيع الفرق الرياضية. بالنسبة اليّ لم أشعر يوماً، أن هناك إقصاء أو غرابة من محبتي لمتابعة ملاعب الكرة، أما من حيث مشاركة المرأة فعلياً وممارستها لهذه اللعبة، فأرى أنها خشنة قليلاً، وربما تصبح مع الزمن مقبولة، كما حصل وتغيرت مفاهيم متعددة حول حضور المرأة ومشاركتها في كل الميادين.