ترى إختصاصية علم النفس السعودية هديل محمد، أن علم النفس «مغيب» في الرياضة، إذ تؤكد الروائية في روايتها الجديدة أن للهلال حضوراً في مشهدها الروائي من خلال شغف بطل روايتها «مت فيك» للهلال وتعصبه، مشيرة في حوارها ل«الحياة» أن التعصب الرياضي متوارث عائلياً، حيث وصفته ب «بوابة» لتعصبات خطيرة، كما ترى أن هناك حضوراً للثقافة في الحياة مع نماذج لعقول وأجساد من نوع جديد، جاء ذلك في الحوار الآتي الذي تطرقت فيه هديل محمد إلى جوانب رياضية وثقافية وصحية عدة، فإلى نصه: حضور الرياضة في حياتك... هل هو كما يجب؟ - الرياضة كممارسة موجودة كما أريدها وفي الأوقات التي تناسبني، لكن الرياضة كمشاهدة تفرض نفسها بشكل محبب تارة وبشكل مزعج تارة أخرى. متى أول مرة صافحتْ فيها عيناك حدثاً رياضياً؟ - البداية الحقيقية لتوجُّهي الرياضي «الموقت» - كما أفضل تسميته - عندما جمعتني صفوف الدراسة بأخت لاعب هلالي «شهير» وتوثقت علاقتنا كثيراً فأقحمتني بقوة في عالم الرياضة، تحديداً في الهلال، وكانت الأرض خصبة لنمو هذا الاهتمام، وأنا محاطة بمشجعي الهلال، وأول مباراة شاهدتها بقلبي وروحي كانت مباراة المنتخب السعودي والكويتي ضمن تصفيات كأس آسيا، وأتذكر أني شاهدت المباراة كاملة وأنا واقفة، حتى إن والدي كان يستنكر هذا الاهتمام الطارئ، أما أشقائي فيبدو أنهم وجدوا لهم رفيقاً يفهمهم ويخرج برفقتهم لاحقاً لمشاهدة فرح الشارع الرياضي في الفوز، واستمر الأمر كذلك فقط لأشهر عدة، انخرطت بعدها في الدراسة الجامعية وبدأت العمل على أكثر من جبهة على مستوى علمي واجتماعي، ووجدت أني لست في حاجة إلى عبء إضافي ففضلت عدم متابعة المباريات والاكتفاء بمعرفة النتيجة لاحقاً، وكنت أقاوم رغبتي الشديدة في المتابعة والتشجيع، وشيئاً فشيئاً ومع كثرة المسؤوليات اضمحل اهتمامي المباشر بكرة القدم. ما الرياضة التي لا تتنازلين عن ممارستها؟ - كنت أستمع إلى برنامج صحي يتحدث فيه طبيب عن مدى أهمية الجري للصحة، وكيف أنه يقي من الأمراض ويحافظ على الشباب، كان يقول ما نصه: (إذا كنتَ متفرغاً اجرِ نصف ساعة، وإذا كنت مشغولاَ فاجرِ نصف ساعة، وإذا كان لديك حال وفاة فاجرِ نصف ساعة) والمقصود هو أن تلتزم بالجري مع أي ظرف، وبحديثه ذلك أصبحت أحاول جاهدة ألاّ أنقطع عن الجري، وبدأ الأمر ممتعاً عندما كنت أخرج للمشي في الأماكن المعدة لذلك، أو التى هناك اتفاق جماعي على استخدامها ممشى، غير أني انقطعت عن الخروج لضيق الوقت واكتفيت بالجري في المنزل. هل تؤمنين برياضة للرجال وأخرى للنساء؟ - لا، لكني أؤمن بوجود فروق فردية بين الأشخاص، فروق على مستوى الفرد وليس الجنس، والميول والرغبة والقدرة الجسدية هي محددات إمكان ممارسة أي رياضة، ويجب أن نضيف إليها القبول الاجتماعي في حال أن المُمارسة هي المرأة، وطالما أن الرياضة النسائية لا تحظى بأي تقدير بل وتُهاجم، فعلى المرأة أن تمارسها داخل حدود بيتها والنادي الرياضي ذي الإمكانات المحدودة جداً، إلى أن يتسع أفقنا لاستيعاب أن «الرياضة صحة للجميع». هل الرياضة عيب، لذا تُحَرَّم ممارستها للمرأة عند بعضنا؟ - ليست عيباً، ومن يعتبرها كذلك فلديه نظرة دونية للمرأة تحدها بحدود ضيقة جداً، وتجعل كل ما لا يتعلق بكونها ربة بيت وأم عيب ومرفوض، نريد امرأة رشيقة تتمتع بصحة جيدة لا تهرم بسرعة ولا تصبح في مقتبل الأربعينات تتردد كثيراً على المستشفيات، فلنوفر إذاً أسباب ذلك، ومن المخجل حقاً أننا ما زلنا حتى الآن نناقش قضية إضافة الرياضة كحصة أساسية في مدارس البنات. لماذا تصر المرأة على مزاولة كل لعبة رياضية يمارسها الرجل؟ - لا أوافق على أن تفعل المرأة ما تفعله لتثبت شيئاً أو تتحدى أحداً، عليها أن تفعل ما تحبه وما يمنحها شعور بالرضا عن ذاتها، قضية المساواة برأيي يجب أن تكون في عدم تقييد المرأة بحجة أنوثتها ومنعها من مزاولة ما يزاوله الرجل، ثم تركها تقيم بنفسها إن كانت تريد أو لا. كيف تقرئين جمال بعض اللاعبات؟ - أرى جمالهن في إصرارهن على ركوب الصعاب ومقدار ما يبذل من جهد في الاستعداد للعبة والمنافسة بضراوة للوصول بغض النظر عن جمال الشكل. لماذا الرياضة هي الصوت الأعلى في المجتمع؟ - لأنه صوت مشروع وسط الكثير من الممنوع، وحتى أعمالنا الأدبية التي يفترض أنها بنات أفكارنا وتعبّر بشكل مباشر عنا، يمارس عليها القمع والتدقيق والتحميص قبل أن نمنح فسح النشر! الأمر ذاته يحدث في المقالات التي تنشر في الصحف، فهي لا ترى النور إلا بعد مرورها على الرقيب. هل هناك رياضة تعشقينها وتخجلين من البوح بعشقها؟ - رياضة المصارعة! أوقات المباريات... هل تفسد برامج الأسرة؟ - في الغالب لا، إذ إن برنامجنا يوضع على أساس وجود مباراة في ذلك اليوم من هذا الأسبوع، فنعيد جدولة برنامجنا الاجتماعي والترفيهي وفق ذلك كي يتسع وقتنا لكل ما نحتاج إليه ونريده. هل تغارين من المباراة عندما تسرق منك زوجك؟ - ربما في بداية حياتنا الزوجية، حيث كان كل تركيزي منصباً على زوجي، غير أني كففت عن ذلك منذ وقت طويل وصرت أحرص على أن أنجز شيئاً ما أثناء انشغاله بالمباراة. زوجة المتعصب رياضياً... هل تعيش في أتون حرب؟ - أرثي لحال زوجة المتعصب الذي يجدول أوقاته وترتيباته كافة على أساس برنامج ناديه المفضل، لا من حيث المباريات فحسب، بل حتى أوقات التدريب في النادي والاستقبال والتوديع في المطار ومطاردة الجماهير المضادة في الصحف والانترنت، لكن لنقل «إن لم تستطع إسكاتهم فانضم إليهم»، أظن أن عليها أن تقترب من ميوله وتشاطره الاهتمام والحماسة وتستسلم لكون هذا النادي فرداً من أفراد عائلتها. هل تستوقفك الصفحات الرياضية في صحفنا؟ - الحقيقة لا، اكتفي بمشاهدة المباراة التى تهمني فقط، لا أتابع الصحف فهي قبل المباراة تحمل توقعات وبعدها تكتظ بالمشاحنات واللوم والكثير من لو! وقس على ذلك التحليل الرياضي الذي يسلبنا متعة المباراة أثناء إعادة شرحها والتدقيق في اللقطات والتركيز على الأخطاء. عائلتك هلالية... كيف تقرئين حبهم للهلال؟ - هو حب متوارث بالقوة الجبرية! ومحاولة الخروج عن ذلك العرف تهدد الانتماء إلى الجماعة، والفرد عادة يحب ألا يكون مختلفاً اختلافاً يؤدي إلى نبذه، وأتذكر في صغري أن والدتي كانت تتجنب أن تشتري لي ثوباً أصفر اللون باعتبار النصر هو المنافس الأشد ضراوة للهلال في ذلك الوقت، وكانت تفعل ذلك ليس لأنها أو لأني متعصبتان، بل لتجنبني أي نقد جارح أو كسر لخاطر فرحي بثوب جديد من نقد المتعصبين حولي، وسط هذا الجو تنشأ أجيال لا تستطيع أن تحيد عن الهلال. عندما يخسر الهلال... هل يتغير شكل الحياة حولك؟ - ليس بالضرورة، فالخسارة مجرد سحابة صيف ندفعها عنا بالتفاؤل في القادم، كما أن لكل شيء وقته وبعد المباراة نمنح قليلاً من الوقت لمشاعرنا ثم تعود الحياة إلى طبيعتها. الهلال ظالم ومظلوم... ما رأيك؟ - في المنافسة الرياضية يبدو ظاهرياً أنها لعبة بين فريقين، بينما هي متعددة الأطراف، وهناك الحكام والمدربون والإداريون والمعلق والجماهير، كل هؤلاء لا يمكن اتفاقهم على رأي واحد، لذا ترى الهلال ظالماً لدى البعض مظلوماً لدى الآخرين! ومحبو الهلال لن يروه ظالماً مطلقاً حتى وإن أخطأ، وما أراه أخيراً أن ظلم الهلال خارج الملعب أكثر من داخله! في روايتك الأخيرة كان البطل هلالياً... هل منحت هلاليته الرواية بُعداً آخر؟ - أردت للرواية أن تحاكي الواقع تماماً، وكتبت عن يوميات «ريم وعساف» في الحياة الطبيعية، فهما مثل البشر كافة لديهم ميول وقناعات، وعساف كان هلالياً متعصباً محاطاً بأعلام الهلال وصور لاعبيه ويقضي سهرته في إعادة مشاهدة مباريات قديمة، وهي طريقة أردت بها شرح ملامحه جيداً والتمهيد لتعصبه المطلق في الأمور كافة، هذا التعصب ذاته لا ينسحب على حب عساف وتبقى ريم دوماً في منطقة الظل بالنسبة إليه محمية أو مهملة، بسبب توجهه لأمر آخر، ولدى ريم تعصب من نوع آخر، وهو تعصبها لحبها ولعساف الذي يعمي عينيها عن كل عيوبه وأخطائه في حقها، ويجعلها تقبله كما يقول هو ب«عاهات روحه المستديمة». لماذا المشهد الرياضي في الرواية السعودية لا يكاد يذكر؟ - ربما لأن المثقفين منصرفون إلى عالمهم الخاص عن الشأن الرياضي، ولا يجدون وقتاً لدراسته وفهمه وتجسيده في رواية، وربما لأن القضايا المطروقة في الروايات وإن كانت تعيد ذاتها، هي الأجدر عندهم بالكتابة عنها حيث إنها تلامس الجراح مباشرة. ما الفرق بين طقوس الكتابة وطقوس مشاهدة المباراة؟ - لا أمارس الكتابة بطريقة معينة، ولا أسعى لتوفير جو ما لأكتب، على العكس تماماً تداهمني الفكرة في أكثر الأوقات انشغالاً وتشتتاً، فأكتب ملاحظة أو مدخلاً ثم أسعى لتفريغ نفسي لصياغتها كما يجب، وهذا الأمر يجعلني في حال كتابة مستمرة. هل الرواية مباراة مفتوحة بين أبطالها؟ - لا ليست كذلك، فالرواية يتحكم بها الكاتب أولاً وأخيراً وحتى إن قادته الشخوص لتغيير مجرى الأحداث، يظل هو الآمر الناهي وصاحب القلم الذي يكفي أن يسحبه كي يعيد البناء مراراً وتكرراً، بينما في المباراة تكون السلطة الكاملة للاعبين. لماذا الثقافة عندنا أقل شأناً من الرياضة؟ - الرياضة عالم واسع يكفي لعدد غير محدود من البشر ويقبلهم باختلاف توجهاتهم وخبراتهم وأعمارهم الزمنية، ولغة الرياضة ليست صعبة فهي مفهومة للمهتمين بها ولغيرهم أيضاً. متى تشعرين بأن مشاهدة مباراة أجمل من قراءة كتاب؟ - حين لا أكون في حال مزاجية مناسبة لقراءة كتاب، فأي نشاط سأقوم به سيكون أجمل بالنسبة إليّ، في أمر المباراة يكتمل المشهد بحسب مدى أهميتها وبحسب الحضور من الأهل. إذا اللاعب الأجنبي أضاف للدوري المحلي... فهل تشعرين بأن الكاتب الأجنبي يضيف للثقافة المحلية؟ - الثقافة وحدة كلية والحدود الفاصلة بينها مجرد مسميات، ونحن ننهل من كل مكان وكل زمان كي نثري ذواتنا. في الحب القلب يخفق وفي المباريات القلوب تخفق... ما الفرق بين القلوب هنا وهناك؟ - في الحب القلب يخفق وحيداً أو ربما بالتزامن مع خفقان قلب آخر، ويبقى في حال ترقب ووجل من رياح قد لا تجري بالسفينة كما يشتهي، ويعيش مع آثار ذلك الخفقان إلى الأبد، بينما في المباراة يكون الهم جماعياً، ويجد الواحد منهم نفسه محاطاً بالكثيرين الذين يقاسمونه الحماسة والفرح والغضب وخيبة الأمل. في كتاباتك الروائية... متى ترفعين الكرت الأحمر لقلمك؟ - أرفع الكرت الأحمر أمام النشر وليس أمام القلم، فقلمي حر في قول ما يريده طالما سأحفظ بوحه داخل ملفاتي السرية، ولا يخرج من تلك الملفات إلا ما هو قابل للنشر سواء ككتاب أم مقال أم على الانترنت. متى خسر قلمك مباراته مع الورق؟ - يخسر قلمي دوماً عندما تأتيه أوامر عليا في الكتابة، والكتابة مسألة مزاج ورغبة في المقام الأول، وأجد نفسي غير راغبة في الكتابة مطلقاً عندما تطلب مني صديقة مثلاً أن أكتب لها رسالة لزوجها أو بطاقة معايدة لوالدتها، يصبح لدي وقتها مقاومة لا شعورية للكتابة وأعجز عن إنتاج ما يليق، وهذا أمر بلا شك يضعني في حرج معهم. الحكم بقراراته يغيّر مسار المباراة... هل لدينا ناقد يغير مسار العمل الأدبي؟ - لا شك في ذلك، فأي حديث حول العمل الأدبي سلباً أو إيجاباً وأي نقد سواء كان هداماً أو بنّاء من شأنه أن يرفع أسهم العمل ويحرض الجمهور ليس على قراءته فحسب، بل حتى على تتبع مسيرته. اللاعب يمارس المخاشنة لصد أي هجوم... هل تمارسين المخاشنة الثقافية؟ - لا مبرر لذلك، فالمثقفون لا يتنافسون على الكأس وغير محدودين بوقت ما لإثبات ذاتهم ولا يمكن لأحدهم أن يكون الأفضل بشكل مطلق لدى الجميع، والاختلاف بين المثقفين أو بين الناس حول المثقفين يعود إلى اختلاف الذائقة ليس إلا، ويكفيني في هذا السياق أن أعبّر عن رأيي وأؤكد احترامي للرأي الآخر. التنافس بين المثقفين... ما الذي يميزه عن المنافسة بين اللاعبين؟ - التنافس بين اللاعبين يتم في أرض الملعب على مرأى من الجميع وأمام حكم يفصل بينهم في حال الخطأ، بينما التنافس بين المثقفين يتم على أرض الحياة ويكون الحكم فيه أهواء كل الشهود عليه بمن فيه المقربون للمثقفين، الذين قد يدعمون أحدهم في منافسته، كما أن الأدوات المستخدمة فيه عدة يصعب حصرها. ما يكسبه المثقف في عام يكسبه اللاعب في يوم... ما تعليقك؟ - المثقف قد يحتاج إلى عام بأكمله لينتج عملاً أدبياً، بينما يقوم اللاعب بإنجازه في90 دقيقة، ولا أقصد بالطبع أن أبخس جهوده حقها، من ناحية أخرى مكاسب المثقف تتناسب طردياً مع غزارة إنتاجه ومشاركته في الساحة، ولا يهددها كبر سنه بينما يكون العمر محدداً رئيسياً لاستمرار مكاسب اللاعب بغض النظر عن رصيده الماضي. الشركات تتسابق على اللاعبين لترويج منتجاتها... لماذا المثقفون لا يتسابق عليهم أحد؟ - يركز المسوِّق على الشريحة المستهدفة. والشخصيات المشهورة في عالم الرياضة والفن تصل أسرع وإلى الجميع، بينما حين نود أن نسوّق لعمل أدبي أو ندوة مثلاً فسنختار شخصية أدبية بحتة. القنوات الرياضية المتخصصة... هل تضطرين إلى متابعتها أحياناً؟ - يحكمها نوع المباراة التي تعرضها. كيف ترين شغف أطفالنا بنجوم الكرة؟ - هو شغف محمود طالما النموذج جيد، وهذا أمر يحمل النجوم مسؤولية أن يكونوا قدوة صالحة تستحق أن نشجع أبناءنا على الاحتذاء بهم.