شكا عدد من أولياء أمور بعض الطلبة والطالبات من ذوي الاحتياجات الخاصة من عدم وجود تكافؤ الفرص التعليميَّة لأبنائهم مع الطلبة الأصحاء في مدارس التعليم العام، مُرجعين ذلك لعدم حصول أبنائهم على القدر الكافي من التعليم الجيّد؛ نتيجة صعوبة المناهج وعدم تأهيل العديد من المعلمين والمعلمات بشكل كافٍ، علاوة على عدم تهيئة البيئة المدرسيَّة بالشكل المطلوب، مُقترحين إنشاء مدارس مُتخصِّصة بتعليم ذوي الاحتياجات الخاصَّة، شريطة أن يتم تجهيزها وتهيئتها بشكلٍ مُلائم. وتباينت آراء عدد من أعضاء هيئة التدريس في عددٍ من المدارس، ففي الوقت الذي دعا فيه بعضهم إلى تخصيص مدارس لذوي الاحتياجات الخاصَّة، رأى آخرون ضرورة تحوير الفكرة لتكون هذه المدارس مخصَّصة لتطبيق برنامج الدمج عبر معايير جودة عالية. برنامج الدمج في البداية اقترحت "وفاء العمر" -مديرة إحدى المدارس الخاصَّة، وأم لطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة- افتتاح مدارس خاصَّةً بالأطفال المُعوَّقين بدايةً من مرحلة التمهيدي وانتهاءً بالمرحلة الثانوية، مُعلِّلةً ذلك بعدم تهيئة المباني المدرسيَّة الحاليَّة لاستيعاب حاجات ومُتطلَّبات الطلاب والطالبات من ذوي الاحتياجات الخاصَّة، مُضيفةً أنَّ برنامج دمج هذه الفئة بالطلبة الأصحَّاء لم ينجح؛ وذلك لعدم تقبُّل العديد من الطلاب والطالبات للفكرة، مُوضحةً أنَّ العديد من المُعلمين والمُعلمات لم يتقبَّلوا فكرة وجود طالب أو طالبة من ذوي الاحتياجات الخاصة في المدرسة، إلى جانب سخريتهم منهم -على حد رأيها-، مُشيرةً إلى أنَّ ذلك أثَّر بشكلٍ سلبيّ على نفسيَّة طلاب وطالبات هذه الفئة. وأيَّدتها في ذلك "هيلة الإدريسي" -أم لطالبة من ذوي الاحتياجات الخاصَّة-، مُشيرةً إلى عدم تهيئة البيئة المدرسيَّة بالشكل المُناسب، خاصَّةً في المدارس الحكوميَّة، مُؤكِّدةً على أنَّ مُعاناة الطلاب والطالبات ذوي الاحتياجات الخاصَّة لا تقتصر على وضع فصولهم في الأدوار العلويَّة في المدارس، بل إنَّها تمتد لتشمل عدم توفير دورات مياه خاصَّة بهم. المناهج التعليميَّة ورفضت "هند القحطاني" -أم لطالب من ذوي الاحتياجات الخاصَّة- فكرة اختزال معاناة هذه الفئة على قضيَّة الفصول الدراسيَّة ودورات المياه وأيّ شيء آخر يتعلَّق بالبيئة المدرسيَّة فحسب، مُضيفةً أنَّ المُشكلة أكبر من هذا الحد، إذ إنَّها تمتد لتشمل أيضاً المناهج التعليميَّة، مُوضحةً أنَّها لا تُراعي الفروق الفرديَّة بين ذوي الإعاقة وبين الطلبة الأصحاء، ناهيك عن عدم تأهيل العديد من المعلمين والمعلمات بالشكل المطلوب، لافتةً إلى أنَّ تخصيص مديريّ العديد من المدارس التي تُطبِّق فكرة الدمج فسحةً للطلبة الأصحاء وأُخرى للطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة بدعوى الخوف من تعرُّضهم للأذى يؤكِّد بشكلٍ قاطع عدم نجاح تطبيق هذه الفكرة، مُتسائلةً في الوقت نفسه عن جدوى الدمج بهذا المستوى المُتدنيّ من التطبيق. تكافؤ الفُرص وأكَّد "يوسف السليس" -مدير إحدى المدارس الأهلية في الرياض- عدم جاهزيَّة المدارس بوضعها الراهن لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصَّة، ولاسيَّما المباني المُستأجرة، داعياً الجهات المعنيَّة إلى تخصيص مدارس لذوي الاحتياجات الخاصَّة، على أن يتم تجهيزها بشكلٍ مُتكاملٍ وِفق معايير جودةٍ عالية، مُشدِّداً على ضرورة توفير الكوادر التعليميَّة المُدرَّبة، مُشيراً إلى عدم وجود تكافؤ للفرص بين طلاب وطالبات ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم من الطلاب والطالبات الأسوياء، وخاصَّةً في المدارس الحكوميَّة، لافتاً إلى أنَّ عدد طلاب الفصل الواحد قد يصل في بعض الأحيان إلى (40) طالباً في مقابل طالبين من ذوي الاحتياجات الخاصَّة، مُذكِّراً باستحالة حصول الطلاب العاديين على مستوى متكافئ من التعليم؛ نظرًا لاختلاف قدراتهم، فكيف بطالبٍ من ذوي الاحتياجات الخاصَّة؟. وأضاف أنَّ تطبيق برنامج الدمج فشل فشلاً ذريعاً في العديد من المدارس، مُرجعاً ذلك إلى عدم تجهيز المدارس، إلى جانب عدم تهيئة العديد من المُعلمين والمُعلمات بشكلٍ كاملٍ للتعامل بشكلٍ صحيح مع طلاب وطالبات هذه الفئة، مُشيراً إلى أنَّ تخصيص مدارس بكوادر مُؤهلة لذوي الاحتياجات الخاصة من شأنه أن يُؤدِّي إلى تحقيق نتائج أفضل في الجوانب العلميَّة والمعرفيَّة والسلوكيَّة بالنسبة لطلاب وطالبات هذه الفئة. مؤشر الأداء واختلف معه "عبداللطيف البليهي" -مُعلِّم صعوبات تعلُّم بإحدى مدارس التعليم العام-، إذ يرى أنَّ الواقع الموجود في العديد من مدارس التعليم العام يختلف من مدرسةٍ لأُخرى، مُضيفاً أنَّ مؤشر الأداء قد يصل إلى درجة الامتياز في بعض المدارس، وينخفض في مدارس أُخرى، مُرجعاً ذلك إلى عدم تهيئة البيئة التعليميَّة والمُعلمين من جهة، إلى جانب وجود نظرة قاصرة للمعوّق من جهةٍ أُخرى، مُوضحاً أنَّه يُنظر إليه عادةً بنظرة الشفقة، مُعتبراً أنَّ الواقع شبه جيد بالنسبة للمُعوّقين حركيًا بخلاف بقيَّة الإعاقات الأخرى، مُنتقداً عمليَّة تطبيق برنامج الدمج الحاصلة حالياً، بدءاً من مرحلة الحضانة والتمهيدي وانتهاء بالمرحلة المتوسطة وما يليها من إلحاق للطالب بمعهد تقني بعد ذلك. وأضاف أنَّ نجاح برنامج الدمج من الممكن أن ينجح في حال طبَّقت الإدارة الهندسية في "وزارة التربية والتعليم" البرنامج على المباني المدرسيَّة بشكلٍ مُختلف عن الأسلوب المعمول به حالياً، مُقترحاً تخصيص عدد من المدارس ليتم تطبيق البرنامج فيها بعد أن يتم تصميمها منذ إنشائها لاستقبال طلاب وطالبات هذه الفئة، مُؤكِّدًا في الوقت نفسه على عجز مناهج التعليم العام استيعاب الطلاب والطالبات من ذوي الاحتياجات الخاصَّة، متسائلاً عن جدوى مُطالبة طلاب وطالبات هذه الفئة إتقان مهارات أساسيَّة لا يُتقنها الطلاب والطالبات العاديين في الغالب. خطوة عكسيَّة من جهته انتقد "د. تركي القريني" -مُتخصِّص في مجال الإعاقة- الأُسر التي تُطالب بوضع أبنائها في مدارس ومراكز خاصَّة بهم وفق برامج خاصَّة، مُضيفاً أنَّ هذا الوضع لن يأتي بالحل المُناسب لما يُعانونه من مشكلات، مُشيراً إلى أنَّ هذه المطالب تُعدُّ خطوةً عكسيَّة من شأنها إعادتنا إلى الوراء بنحو (20) سنة، مُوضحاً أنَّ الآباء والأُمهات الذين يُطالبون بذلك لا يُدركون حقيقة خطأ مطالبهم هذه، داعياً إيَّاهم إلى الاقتداء بأهالي طلاب وطالبات ذوي الإعاقة في الولاياتالمتحدةالأمريكية الذين لم تتحسن خدمات التربية الخاصَّة لديهم إلاَّ عبر مطالبهم الإيجابيَّة، لافتاً إلى أنَّ عليهم المُطالبة بحقوق أبنائهم فيما يتعلَّق بتقديم وتوفير الخدمات المُساندة لهم وتقديم العلاج الوظيفي والطبيعي لهم. وأضاف أنَّ الأسباب والمُسوِّغات التي يضعها أولياء الأمور مُبررين بها مطالبهم غير واضحة، مُوضحاً أنَّ قضيَّة الطفل المُعاق الذي لا يتلقَّى حقه من التعليم غير صحيحة، فهو لم يُمنع من التعليم ولا يُمكن قول ذلك إلاَّ إذا لم يُقبل الطفل في المدارس الحكوميَّة والمراكز المُتخصِّصة، مُشيراً إلى أنَّ هذا ما لم يحدث ولن يحدث إلاَّ كحالاتٍ فرديَّةٍ لا يمكن تعميمها، وغالبًا مايكون المسؤول عنها مدير أو مديرة المدرسة، لافتاً إلى أنَّ الطفل الذي يُعاني من صعوبات تعلُّم داخل الصف العادي يتلقَّى خدمات أُخرى ودعماً إضافياً في غرفة المصادر، بحيث يتم تكييف وتعديل المنهج ليتلاءم مع قدراته. خدمات مُساندة وشدَّد "د.القريني" على ضرورة أن يتلقى الطلبة والطالبات من ذوي الاحتياجات الخاصَّة خدماتهم بغض النظر عن نوع إعاقتهم في البيئة الأقل تقييدًا مع الأطفال العاديين دون النظر بعين الاعتبار لدرجة الإعاقة وطبيعتها، مُضيفاً أنَّه في حال قُدِّمت خدمات المساندة وخدمات الدعم اللازمة للطالب من ذوي الاحتياجات الخاصة وفشل في تحقيق ذلك، فإنَّه يجب البحث عن بدائل أُخرى قد تكون مُناسبة للتنفيذ، مُشيراً إلى أنَّ المحور الجوهري يتمثَّل في تقديم الخدمات الخاصَّة والمُساندة في البيئة الأقل تقييداً، مؤكِّداً على ضرورة وجود الطالب أو الطالبة من ذوي الاحتياجات الخاصة في فصول الطلاب والطالبات الأسوياء، مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ القواعد التطبيقيَّة وبرامج التربية الخاصَّة أكَّدت وضعهم في بيئة تربوية طبيعيَّة، أيّ في المدارس العاديَّة قدر الإمكان. وأشار إلى أنَّه في حال تأثُّر الطالب أو الطالبة من ذوي الاحتياجات الخاصَّة سلباً من هذه البيئة، فإنَّه يمكن وضع بدائل أُخرى تتدرَّج من الفصل العادي في اليوم المدرسي إلى الفصل العادي في جزء من اليوم المدرسي أو الفصل الخاص، ويكون ملحقاً بمدرسة أهلية أو الفصل العادي مع إتاحة غرفة المصادر لخدمة هذا الغرض، يلي ذلك المعاهد والمراكز ثمَّ المستشفيات الخاصَّة، لافتًا إلى أنَّ هذا التدرُّج يبدأ من الأقل تعقيداً إلى الأكثر تعقيداً، مع إعطائه الفرصة للتفاعل مع أقرانه العاديين قدر الإمكان. دراسات علميَّة وأكَّد "د.القريني" على أنَّ برنامج الدمج الموجود في المدارس لم ينجح؛ وذلك لعدم شموليّته للإعاقة الفكريَّة والإعاقات المُتعدِّدة والشديدة، مُشيراً إلى أنَّه سبق أن تم تقييم هذا البرنامج وِفق بعض الدراسات العلميَّة، ومنها دراسة أجراها "ناصر الموسى" من "قسم التربية الخاصَّة" في "الأمانة العامة للتربية الخاصَّة"، لافتاً إلى أنَّ هذه الدراسات مُتاحةٌ على موقع "الأمانة"، مُبيِّناً أنَّها أثبتت فعلاً أنَّ هناك تحسنٌ في عمليَّة التواصل والمهارات الأكاديميَّة وتكوين العلاقات مع الأقران العاديين ليس على مستوى المملكة فحسب، بل في العالم كُلِّه، مُوضحاً أنَّ للبرنامج فوائد للطفل الذي يتعلَّم مهارات أكاديميَّة كالقراءة والكتابة والرياضيات، بحيث يكتسب المهارات التواصليَّة الجيّدة.