خطر ببالي هذا المقال بعد سماعي بتولي جانييت ييلين رئاسة البنك الاحتياطي الأمريكي مطلع هذا الشهر. وهذا المنصب الخطير لا يتحكم بترليونات الدولارات فقط، بل ويدير بطريقة غير مباشرة اقتصادات العالم وبلايين لا حصر لها من الدولارات المهاجرة... وتعيين السيدة جانيت في هذا المنصب يعني وجود امرأتين تديران بالمناصفة ثروة العالم وشؤون الاقتصاد الدولي حيث سبقتها الفرنسية كرستين لاجارد في إدارة البنك الدولي الذي يرسم السياسات الاقتصادية لمعظم الدول ويتحكم بطريقة غير مرئية بأرزاق الأمم والشعوب!! ويمكن القول إن جانييت ييلين، وكرستين لاجارد آخر اسمين يمكن إضافتهما الى قائمة أعظم النساء تأثيرا ونفوذا في التاريخ .. صحيح أن الرجال يستحوذون على النسبة العظمى من المناصب السياسية والاقتصادية إلا أن النساء وبشكل غريب يشكلن تفوقا نوعيا ونسبة أكبر في قائمة أقوى الزعماء تأثيرا في التاريخ.. خذ كمثال الملكة توميرس التي وقفت في وجه الاحتلال الفارسي وهزمت كسرى في معركة شاركت فيها شخصيا.. وكذلك حمشتسوب أقوى وأنجح زعماء الفراعنة القدماء بالاضافة الى كليوبترا التي استوعبت الاحتلال الروماني وأقنعت القيصر بالزواج (وأنجبت وريثه منها).. أما ملكة تدمر زنوبيا فقادت عصيانا على الامبراطورية الرومانية ووسعت حكمها حتى شمل معظم بلاد الشام في القرن الثالث الميلادي... أما في العصور المتقدمة فهناك إيزابيلا الأولى التي طردت المسلمين من أسبانيا وعرضت على ملك أرجون الزواج منها عام 1469 منشئة بذلك المملكة الأسبانية الحديثة (وهي بالمناسبة من تبنى رحلات كولومبس فكسبت بذلك مستعمرات ضخمة في الأمريكتين)... أما الملكة اليزابيث الأولى فرفضت الخضوع لجميع الممالك الكاثوليكية تحت إمرة البابا وهزمت الامبراطورية الأسبانية عام 1588 وأصبحت انجلترا بفضلها قوة بحرية واستعمارية عظمى.. وهناك أيضا الامبراطورة كاترين التي حكمت روسيا حتى1796 وخلقت منها قوى عالمية جديدة (حتى لقبت بكاترين العظمى).. أما الملكة فيكتوريا فكانت أطول من حكم انجلترا (معظم القرن التاسع عشر تقريبا) وبلغت خلالها أقصى قوتها وتوسعها الاستعماري لدرجة عرف عصرها بالعصر الفيكتوري.. أما في العصور الحديثة فمن ينكر صلابة جولدا مائير التي وقفت في وجه الزعماء العرب في حرب 73 وأطلقت التهديد الاسرائيلي الوحيد بإحراق العواصم العربية بالقنابل النووية ان استمروا بمساندة الجيش المصري.. وهناك أيضا الزعيمة الهندية أنديرا غاندي التي أنشأت القوة النووية الهندية وهزمت باكستان وحكمت الهند بيد من حديد (بل وهددت بإخصاء الرجال إن لم ينخفض معدل التناسل في الهند)! أما المرأة الحديدية مارجريت تاتشر فأنقذت بريطانيا من الانحدار لمستوى الدول النامية بفضل سياستها الاقتصادية التي اعتمدت على تخصيص مؤسسات الدولة وتفكيك نقابات العمال لدرجة بلورت مدرسة جديدة تدعى التاتشرية!! أما في أيامنا هذه فالأسماء أكثر من مساحة المقال ولكن خذ كمثال ملكة انجلترا أليزابيث الثانية، وزعيمة الأرجنتين كريستينا فرنانديز، والبولندية تارجا كارينا، والبنغالية خالدة ضيا، والألمانية ميركل التي انتخبت مرتين، والنرويجية جرو هارلم التي انتخبها الشعب ثلاث مرات حتى الآن...!!! والآن... قارن هذه الأسماء بزعماء من عالمنا العربي أو العالم الثالث اغتصبوا الحكم وأفقروا الشعوب وأذلوا البلدان واهتموا بمصالحهم الخاصة.. لا يمكنك ببساطة تجاهل التاريخ وإنكار نجاح مارجريت تاتشر وأنديرا غاندي وأنجيلا ميركل، لا يمكنك ببساطة إنكار شجاعة جولدا مائير أو كاترين العظمى أو إيزابيل الأولى.. لايمكنك إنكار حالة الازدهار والرخاء التي تعيشها هذه الأيام ألمانيا والنرويج والأرجنتين والبرازيل تحت حكم زعيمات غلبن الرجال في انتخابات نزيهة...!!! رحم الله عمر بن الخطاب الذي ولى أمر الحسبة ومراقبة الأسواق وشؤون التجار للسيدة "الشِّفاء بنت عبدالله بن عبد شمس" .. ولكن .. من يُقنع البعض قبل البنك الدولي بوجود منافسات لا يقللن جداره عن جانييت ييلين وكرستين لاجارد...