قد يكون الخطاب التوعوي وسيلة أصيلة كالريح توجّه السفينة (ليس المهم هنا وجهتها)، ولكن لايوجد هناك ريح تستطيع أن تقود المركب الذي لم يقرر بعد وجهته كما يقال، والخطاب التوعوي على سبيل المثال ذلك الذي يفترض فيه أن يصيغ وعي الجماهير أراه في بلادنا يقع في ذيل قائمة إهتمام المسؤولين عن تصميم وتنفيذ البرامج التوعوية فهم في الغالب يهتمون كثيراً باحتفالية المناسبة وبالوسائل (الكرنفالية) وكأن كل مناسباتنا احتفالات ومهرجانات تحتل فيها خطب الترحيب وشعر المديح جُل المناسبة يليها توزيع الدروع وسطوع فلاشات التصوير، وهذا ما يتم في غالب برامج حملات التوعيّة الاستهلاكيّة الاغراقيّة كما أسماها الزميل رسّام الكاريكاتير في صحيفة الاقتصادية (صايل) في تصوير بارع للخطاب الاعلامي لدينا، حيث رسم قنبلة على هيئة جمجمة بشريّة ثم كتب (عزيزي الشاب .. الإرهاب «يععع» ننصحك بالامتناع عنه ... مع تحيات : حملات التوعيّة الاستهلاكيّة الإغراقيّة) .! فأي خطاب إعلامي كهذا يُمكن أن يؤسس لأي شكل من الوعي ..؟؟ من هنا فإنني أجزم أن من يقوم بتصميم حملات التوعية لدينا لم يقرر بعد ليس وجهته فقط بل حتى وجهة المركب وركّابه..! أصدقكم القول بأنني كنت سأتناول الخطاب الاعلامي الذي تم تداوله وقت الحملة الوطنية لمكافحة الارهاب التي أُقيمت فعالياتها في كل مكان من الوطن والذي دعاني للتفكير بالكتابة هو قراءتي للرسائل الاتصاليّة المستخدمة في تلك الحملة وبعض العبارات الموجهة لشريحة غير محددة المعالم، ولكنني لم أفعل بسبب تزاحم المواضيع والاحداث حينها وها أنا أعود للكتابة حول الموضوع بسبب كاريكاتير قال ما لم تستطع قوله كثير من المقالات. إنني أرى من العبث مخاطبة شباب مُضطرب نفسيّاً (سلكوا طريق الاجرام وملأوا العالم بالدماء والاشلاء) بمفردات وصيغ هشّة مثل «هل حقاً هذا فعل ابنائك يا وطني» وغيرها كما لن تنفع معهم أساليب «الصدمة والرعب» كما يفعل البعض في مخاطبة الشباب حين يجعلون الموت أو الدخول في جوف القبور أسلوباً للخطاب التوعوي، حيث إن الارهابيين يعتبرون الموت (بحد ذاته) طريقهم نحو تحقيق غاياتهم، لهذا فلا بد من خطاب مدروس وذكيّ يعرف كيف يطرق أبواب العقل باحترام ثم يدلف إلى جوف الوجدان لتزهر بعدها ممارسات سويّة مقبولة على المستوى الشعبي قبل الرسمي مؤطرة بالقوانين والأنظمة التي تُرتب علاقات البشر بكل مكونات الكون. الدكتور ولبور شرام الخبير العالمي ومنظّر الاتصال الجماهيري يقول «إن الاتصال الجماهيري هو المُضاعف الأكبر في التنمية والاداة التي تستطيع أن تنشر الأفكار الجديدة والاتجاهات والمعرفة أسرع كثيراً من ذي قبل» أ.ه من هنا أرى أن الوقت قد حان لشطب أفكار وخطابات حملات التوعية الاستهلاكية الاغراقيّة البائدة والبدء بالتفكير في بناء خطاب إعلامي تنويريّ جديد يؤسس لفكر شعبويّ ناضج قادر على التعاطي مع المرحلة الدقيقة في حياة أمتنا وينفتح في نفس الوقت على العالم. aalkeaid @alriyadh.com