أفنى الجديد تقلب الشمس وطلوعها من حيث لا تمسي وطلوعها بيضاء صافية وغروبها صفراء كالورسِ بيتان من الشعر نقشهما أبو جعفر بن حسن الهاشمي على صخرة في وادي الحرمان قرب عرفة سنة 78ه وما زال صامداً إلى وقت قريب؛ فقد احتفظت صخور بلادنا وما زالت بتاريخ لم يمحه مرور الزمان أو تطاول الأيام ولم تطمسه الرياح العاتية ولا الشمس الحامية بل لم تغسله الأمطار والسيول إلا من التراب الذي يغطيه ليلمع حاكياً قصص العرب وأشعارهم. وقد قام الدكتور عبدالرحمن بن ناصر السعيد أستاذ اللغة العربية في جامعة الملك سعود مشكوراً بالتفاتة علمية رائعة لموضوع النقوش الشعرية الصخرية بذل فيها جهداً ميدانياً ومكتبياً ملحوظاً حيث عمل على تحقيق البيتين السابقين إضافة إلى اثني عشر بيتاً آخر نقشت على صخور بلادنا التي هي مهد العرب وشعرهم وأدبهم، امتدت هذه النقوش من منطقة مكةالمكرمة ومنطقة المدينةالمنورة إلى منطقة نجران ومنطقة حائل على مدى تاريخي ما بين القرن الأول والقرن الرابع الهجريين. سار السعيد في بحثه على منهج يذكر فيه مصدر النقش وموقعه وتاريخه واسم الناقش، ثم يرفق صورة النقش وتفريغه، ثم يوضح وزن البيت وبحره الشعري، لينتقل بعد ذلك إلى تخريج النص واختلاف الروايات بين المصادر وأقربها إلى النقش، وقد أشار في بحثه المنشور في العدد الثاني من مجلة الدارة الصادر في ربيع الآخر 1434ه إلى أن أول مصنف وثّق النقوش هو كتاب (أدب الغرباء) لأبي الفرج الأصفهاني الذي لم يسبقه أحد إلى موضوع كتابه كما ألمح إلى جهد الدكتور سعد الراشد في دراسة النقوش الشعرية. وفي حين تنتشر النقوش النبطية والثمودية بكثرة في الجزيرة العربية فإن الباحث لم يقف على نقوش جاهلية قريبة من عصر الإسلام ويفسره ذلك بغلبة البداوة على القبائل العربية! فيما أشار إلى أن النقوش الشعرية تكاد تنعدم فيما بعد القرن الخامس وأرجعه إلى انعزال الجزيرة العربية مرة أخرى عن حواضر العالم الإسلامي مما أدى إلى تقلص الكتابة والعودة إلى بيئة الجاهلية مرة أخرى! وقد شخّص الباحث السمات البارزة للنقوش الشعرية الصخرية حيث أكّد قلّتها مقارنة بالنقوش الأخرى وكذلك قصرها فغالب النصوص مكوّن من بيت وقليل منها من بيتين بسبب صعوبة النقش على الصخور، كما لاحظ عدم نسبة البيت إلى قائله لأن الناقش يهمّه معنى البيت الشعري الذي يعبّر عما يختلج في جوانحه أكثر من قائله، ولاحظ أيضاً أن بعض النصوص ذات ارتباط قوي بالمكان الذي نقشت فيه ولاحظ كذلك الأخطاء الكتابية في هذه النقوش ولكن أهم هذه السمات أن غالب النقوش الشعرية الصخرية لم ترد في المصادر الأدبية كما أن فيها روايات جيدة لم تتضمنها كتب التراث وهذا ما يجعل هذه النقوش مصدراً مهماً من مصادر الشعر العربي القديم. وأخيراً فقد أورد الباحث هذا البيت المنقوش من شعر عبيد بن الأبرص وهو شاعر جاهلي من شعراء المعلقات كما هو معروف في جبل عرفة ويرجح أنه نقش في أيام الحج أثناء الوقوف بعرفة: من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب نسأل الله في هذه الأيام الفضيلة أن لا يحرمنا ولا يحرم حجاج بيت الله الحرام من الرحمة والمغفرة والتوفيق والهداية لما يحب ويرضى.