تشير كتابات بعض الرحالة والمؤرخين بأن فترة ما قبيل معركة السبلة سنة 1347ه شكلت فترة الاحتقان الحقيقي لبعض المتحمسين الذين أنكروا استخدام البرقية بالاضافة لصناعات أخرى ضمنها السيارة والمذياع والساعة بدعوى كونها صناعات شيطانية ووصل الامر إلى مهاجمتها من بعض المغالين وتخريبها في بعض المعسكرات فكان هذا الامر ضمن الاسباب الرئيسية التي دعت الملك لطلب عقد مؤتمر الرياض (مؤتمر الاخوان) سنة 1928م والذي جاء فيه الشرط الثاني من الشروط الثلاثة للإخوان وفق ما ذكر المستشرق الانجليزي ديكسون ( الكويت وجاراتها ) ينص على منع استخدام السيارات والبرق اللاسلكي وغيرها من الاختراعات التي يرون تعارضها مع الدين وقال : وافق الملك على المطلب الاول المتعلق بالغاء الضرائب أما الثاني فرد بأنه يعتبر مثل هذه الاشياء أدوات نافعة حقا لكل مؤمن . من جهة أخرى يذكر المؤرخ حافظ وهبة وهو يتحدث عن جانب آخر من الصعوبات التي واجهت الملك عبدالعزيز أثناء محاولته إدخال بعض الصناعات والتقنيات الحديثة. يذكر حادثه طريفة كتبها على النحو التالي : أوفدني الملك للمدينة سنة 1928م مع عالم كبير من علماء نجد للتفتيش الإداري والديني، وأثناء الرحلة جرى ذكر التلغراف اللاسلكي، وما يتصل به من المستحدثات، فقال لي الشيخ : لا شك أن هذه الأشياء ناشئة من استخدام الجن، وقد أخبرني ثقة أن التلغراف اللاسلكي لا يتحرك إلا بعد أن تذبح عنده ذبيحة، ويذكر عليها اسم الشيطان. ثم أخذ يذكر لي بعض القصص عن استخدام بني آدم للشيطان، ولم يفلح شرحي لنظرية التلغراف اللاسلكي وتاريخ استكشافه في إقناع الشيخ المتحمس، ولم أجد أي فائدة من وراء البحث. فسكت على مضض. وفي يوم من الأيام دعاني الشيخ لمرافقته لزيارة قبر حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم عند جبل أحد في المدينةالمنورة فلبيت الدعوة وفي أثناء الطريق أوقفت السيارة عند محطة التلغراف اللاسلكي، وهنا دار بيني وبين الشيخ الحديث التالي : سأل الشيخ: لماذا أوقفت السيارة؟ فأجبته: لنرى التلغراف اللاسلكي، فإن كان هناك ذبائح ودعوة لغير الله، فإني سأحرقه مهما كانت النتيجة، فالدين لله لا لابن سعود، وقد يكون الملك مخدوعا في أمر هذه التلغرافات، وتذكر له الأشياء على غير حقيقتها. فقال الشيخ: بارك الله فيك. فدخلت المحطة، وبعد البحث لم يجد الشيخ أي أثر لعظام الذبائح وقرونها أو صوفها، ثم أراه الموظف المختص طريقة المخابرة، وفي دقائق تبودلت المخابرات والتحيات بينه وبين جلالة الملك في جدة. كانت هذه الزيارة البسيطة مدعاة للشك في ما كان يعتقده من عمل الشيطان في المخابرات اللاسلكية، ولكنه ظن أنني ربما دبرت هذه الحيلة بإيعاز من الملك، فزار الشيخ محطة التلغراف بضع مرات منفردا في أوقات مختلفة، بدون أن يخبر أحدا بعزمه، فكان يفاجئ العامل المختص بالزيارة، ويسأله عن كل ما يخفى عليه، وقد أخبرني الشيخ ونحن في طريق عودتنا إلى مكة، بأنه يستغفر الله ويتوب إليه مما كان يعتقده ويتهم به بعض الناس وربما كان يقصدني بذلك ثم ختمت الموضوع بقولي: ما قولكم يا حضرة الشيخ في رواية أولئك الثقات؟ أخشى أن تكون رواياتهم لكم عن أكثر المسائل العلمية كروايتهم عن التلغراف! فقال: حسبي الله ونعم الوكيل. وقد أخبرني عامل المحطة بأن بعض المشايخ الصغار كانوا يترددون عليه من وقت لآخر لسؤاله عن موعد زيارة الشياطين. وهل الشيطان الكبير في مكة أو الرياض؟ وكم عدد أولاده الذين يساعدونه في مهمة نقل الأخبار؟ فكان يجبيهم بأن ليس للشياطين دخل في عمله، وكان بعضهم يغريه بالنقود وأنهم سيكتمون هذا السر. ولكن العامل كان يأخذ الأخبار ويرسلها أمامهم ويخبرهم أن الموضوع صناعي محض. كانت الأيام تعمل عملها في نفوسهم، ورسلهم ينقلون إليهم حقيقة ما يرونه ويشاهدونه. الانجليزي عبدالله فيلبي بعدما ذكر قصة توقيع عقد إنشاء محطتين لاسلكيتين في العاصمتين مكةالمكرمةوالرياض بقوله تعملان بقوة نصف كيلو واط في عدد من عواصم الأقاليم بالمملكة، وأخيرا التعاقد على تركيب أربعة أجهزة متحركة بقوة نصف كيلو واط ليتم أخذها مع الملك وكبار الشخصيات من مرافقيه أثناء ترحالهم». يضيف في كتابه حاج في الجزيرة العربية بعد فترة من توقيع العقد صورة أخرى للتراكمات وربما الصعوبات المالية التي كادت تعطل هذا المشروع في قوله : لعدة شهور بعد وصول المهندسين والأجهزة لم يتم شيء لبناء المحطة المراد بناؤها، إذ إن كل الطاقات كانت مبذولة في انتقال للأجهزة المتحركة. وبعد حين من الزمن تمكنّا من استصدار أوامر من فيصل بنقل جهازين متحركين إلى الرياض، ونقل الاثنين الآخرين إلى الطائف. وتم تنفيذ هذه الأوامر، وفي التاسع عشر من أغسطس كان الجهازان المتحركان في الرياض على اتصال بالآخرين في الطائف. لقد انفعل رجال الطائف انفعالا شديدا بهذا الحدث التاريخي، مما حدا بهم لإرسال عدة برقيات تهنئة إلى الملك. أما في الرياض (وبالرغم من المعارضة الخفية لهذا الاختراع) فإنه بدا كأن الاتصال كان هناك منذ قرون طويلة فلم يكن هناك صدى لهذا الحدث التاريخي، بل إن البرقية الصحفية التي أعددتها لترسل إلى «الديلي هيرالد»، معلنا فيها إمكانية اتصال العاصمة السعودية ببقية العالم، ظلت حبيسة وقتا طويلا جعل إرسالها بعد ذلك شيئا لا معنى له. من جانبه فان صاحب السمو الملكي الامير طلال بن عبدالعزيز الذي أعاد تأهيل أو احياء اول برج برقي اقيم في العاصمة الرياض بعد 80 عاما سبق ان ذكر في لقاء للشرق الاوسط أن فيلبي اقترح على الملك عبدالعزيز جلب خبراء لتشغيل البرقيات من الخارج، لكن الملك قال له: بل نرسل من أبناء البلاد من يتعلم هذه المهنة لدى شركة ماركوني في انجلترا. وتم بالفعل ابتعاث مجموعة منهم - محسون حسين أفندي، وإبراهيم زارع، وإبراهيم سلسلة، وقد لاقى هؤلاء صعوبات في كونهم لا يجيدون اللغة الانجليزية. ثم أرسلت بعثة أخرى من أعضائها احمد زيدان الذي شغل بعد ذلك منصب وكيل وزارة المواصلات في السعودية.