(لدي هواية وأكررها بشكل نمطي، وهي أهم من كل هواياتي الروحية، أذهب إلى أحد الأودية، وأصرخ بكل قوتي، أسمع صدى صوتي، أربت على كتفي وأمضي ) د.جيكل الثلاثاء الماضي كنت قد كتبت مقالاً عن (تخليص الحقوق) والواقع أن العنوان مجازي في حد ذاته، والواقع أن كثيرا من الحقوق، أو أغلبها ليس مادياً، ومن الصعب تحصيله، لكن لمن تعذر عليه هذا التحصيل، ولمن يتلقف كل يوم رسائل ملغومة بكل ما يغضب، وبكل ما يدفع إلى الانهيار ماذا يفعل ؟ وكيف عليه أن يمشي في ذلك الممر الحياتي الذي تفيض به كل مسببات الغضب والتوتر ...؟ هل نملك الحلول الشخصية، وغير المكلفة لتفريغ الشحنة الهائلة في دواخلنا، والعودة متخففين، متجاوزين الأمر كاملاً ؟ ولماذا تتركز الحلول لدينا وهو ما ألاحظه في أن نسلك طريقين إما الغضب الجارف وهدم المكان على ساكنيه، بحيث يصبح غير قابل للإصلاح، أو حتى إعادة بنائه ؟ ومن ثم ما يتبعه من خسائر قد تصل إلى حد الجنون للطرف الغاضب، ومن تلقف الرسالة، والموجع أنه أحياناً قد يكون هذا الغاضب المجنون أخذ أكثر من حقه بكثير. أو الصمت القاتل والمميت الذي يعتاد البعض على ملازمته إما كعقاب للآخر إن كان طرفا شخصيا، أو رفضا لواقع لا يمكنك تغييره، أو حالة عامة. الصمت الذي قد يفرض عليك كواقع اجباري وتدوير لأزمنة لا تملك الفرار منها، وتستقبله دون مقاومة، أو تذمر لأنه الخيار الوحيد لما أنت به، وثانياً أنت هادئ بطبعك. ولست ثوراً هائجاً، قد تتلقى الضربات، ولا تختلف الرؤية الكونية لها من منظور الآخر، لكن أنت تمتلك خيارك الفردي في الصمت. وصداه ينحت في داخلك بدون مقاومة منك، قد يمارس البلطجة والعربدة، ولا يقنعه إقناع ولكن تظل معركتك معه، تتوقف على استقبال يحرمه حق المشاركة مع من حولك، إلا بالدموع الصامتة، أو الآلام التي تسكن حتى العظام. لكن من المستحيل أن تظل طبيعياً وعليك أن تصدر مذكرة دولية إنسانية لاعتقال هذا الغضب الهائج داخلك، وفي حالة تعذرها كونك ترفض دفع ثمن استخراج هذه المذكرة لا يوجد سوى ما قرأته للدكتور جيكل وبدأت به المقال.. الواقع إنه تجربة رائعة ومفرحة وناجحة، ولكن أين ستنفذها ؟ أين تستطيع أن تصرخ بقوة ؟ أين بالإمكان أن تمارس هذه الهواية الروحية الرائعة التي ستخرج كل السموم، وتدخل لك كل أنواع الهواء النقي، لا توجد سوى طريقة واحدة في المدن المزدحمة، الخروج إلى خارج المدينة تماماً وكلما ابتعدت كان أفضل، تصرخ بقوة، حتى يسمعك الفراغ، ويرتد صوتك اليك، تصرخ عدة مرات بجنون، ولا مانع أن تأخذ صديقاً، أو مقرباً، وتجرب ذلك ستجدها ممتعة، اذهب إلى واد، إلى البحر البعيد، لا تجلس، اصرخ وأنت تركض، تخفف من كل شيء، ستتفرغ من الغضب، من الهموم، اركض كالأطفال، كالمجانين، تنفس جيداً، إنس أن هذا السلوك جنوني، فالحياة بمجملها كتلة جنون. في الخارج يركض في الشوارع، لا أحد يسألهم، يصرخون باتجاه الفراغ، وأنت عندما أكون خارج المدن، أركض ..اصرخ ستجدها متعة خيالية تتحرر فيها كل حواسك، وستشعر أنه لا شيء يصل إلى مرتبة أن تتحرر من الألم وتكسر حدة الغضب إلا بممارسة الصراخ. وأنت تصرخ لا تركز على غضبك، أو من أغضبك، اصرخ لتتخلص من شحنة تمنعك من الحق في حياة هادئة، ولتتذكر الأطفال، احيانا وهم يلعبون تجد طفلا ً يصرخ وهو يركض، يصرخ، عندما توبخه، لا يسأل فيك، يواصل ركضه، أو يتوقف وكأنه نفض عن داخله أموراً سيئة. وأخيراً اطلق العنان لكل شعور بالعجز المطلق حتى لا تقضي بقية أيامك تديرها كيفما اتفق على اعتبار أن الأولوية لإرضاء الجميع، وصورتك التي عرفها الناس من صمتها، وحتى مع اختراع كارثة لم تمنحهم وجهها الآخر، اربح نقاط نفسك بنفسك وارضها، بما يمنحها حق الامان، والهدوء والتوازن.. اصرخ إن استطعت أو جرب ذلك لأنه حق من حقوقك ونفذ وصية د. جيكل