في الموروث الشعبي بأكمله، يبقى للمكان تفرده ومكانته، فهو يعتبر ركيزة هامة من ركائز قراءة الموروث والاهتمام به. ومنذ القدم وللمكان أهميته لدى المهتمين بالموروث الشعبي خصوصاً الشعراء الذين جعلوه في أولى اهتماماتهم، حيث جاءت قصائدهم وهي تحاكي ذلك المكان برقة وعذوبة تعانق الإبداع. علاقة الشعراء بالمكان هي تلك التي جعلت قصائدهم تتسم بالروعة والجمال، لأنهم يستخدمون المكان في وصفهم وتصويرهم الشعري بكل جماليات الحدث والذكرى وكثيراً من الشعراء صوروا ذكرياتهم المستوحاة من جمال أمكنتهم التي حدثت لهم فيها أحداث وذكريات عاطفية ووجدانية تتكئ على روح المصداقية. وعلى أن المكان هو السمة البارزة في شعرهم، فهو قد أخذ حيزاً كبيراً في قصائدهم جعلنا نتأمل ذكرياتهم ووداعهم لأحبتهم بكلمات عذبة في قصائد مبدعة وهذه تشكل دلالة واضحة للارتباط الوثيق بينهم وبين أفكارهم وقصائدهم وهذا بالطبع نابع من معاناتهم العاطفية الصادقة، فنجدهم يصورون لحظة الفراق ويجسدون المكان في لوحة عاطفية عذبة تنم عن تلك المعاناة. هناك معطيات أدت إلى جعل ارتباط المكان بالشاعر قوية، فنشأة الشاعر وحياته وانتماؤه مثلاً لبلدته التي ولد بها أدت إلى ذلك الارتباط خصوصاً الشعراء القدامى وتلك البيئة التي عاشوا بها، ومن هنا وجدنا مدى قوة ذلك الارتباط الذي عكسته قصائدهم التي بقيت حتى وقتنا الحاضر نموذجاً جميلاً يصور لنا عمق المكان في حياتهم وكثيراً ما قرأنا قصائد تحمل صورة ذلك المكان بذكرى عذبة تصور الحب والعشق والهيام الذي كان يؤرقهم في امكنتهم، إضافة إلى ذكرياتهم في تلك الأمكنة في مناسباتهم المختلفة كالأعياد ومناسبات الزواج. الصور الرائعة التي يحملها المكان في الشعر هي صورة الذكرى والشعر التي تجعلنا كقراء نعيش لحظاتها تلك بكامل روعتها وعذوبتها، وليبقى موروثنا جميلاً يحمل صورة الذكرى في أمكنة الذكرى. أخيراً : ليلٍ هشيم من يجمع الليل الهشيم آه ماكنت أنا الجافي ولاكنت أنا الخصيم في زمان البرد ندفى على حكي.. وقصيد.. نرقى النخل.. ناكل من عذوق النشيد.. آه يازمان أول.. يرسم على وجه القصيد.. بيت جدي وبشته والحطب والنار.. ودله ووجار وروح شاعر.. ماعانده قاف.. ولايغلبه.. معنى..