صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة كتاب "المدن المسحورة" لفارس خضر. يقول الكاتب في مقدمته: "قمت برصد وتحليل المعتقدات المتصلة بفكرة المدن المسحورة في الواحات، وذلك من خلال إعادة قراءة الموروث السردي المدون والشفاهي حول هذه المدن، ورصد الأسس المنطقية التي تجعل الجماعة الشعبية تعتقد في وجودها، وكذلك بالرجوع إلى التاريخين الواقعي والميثولوجي للمنطقة، وجمع نصوص هذه المدن من التراث العربي المدون في الأدبيات الجغرافية والتاريخية وكتب الرحالة وغيرهم ممن أوردوا ذكر الواحات ومدنها المختفية أو المسحورة".المدن المسحورة، بحسب خضر، هي تلك المدن اليوتوبية التي تتواتر في عدد من المدونات حين يأتي ذكر الواحات، ولا يزال الاعتقاد في وجودها ماثل في العقلية الشعبية، ورغم كثرة توصيفات هذه المدن بحيث تُذكر تارة بأنها مطلسمة أو باطنة، وتارة أخرى بأنها مستورة أو مخفية، فإن التعبير الشعبي المتداول للدلالة عليها هو "المسحورة"، مثل "زرزورة" المدينة العجائبية للصحراء الغربية وليس لواحة الداخلة فحسب، إذ يمتد الاعتقاد في وجودها حتى الصحراء الليبية.ويضيف: المدينة المسحورة هي التي سترتها الجان عن العيون، حسب وصف المقريزي، تتبدى بأشكال متباينة، فتارة تظهر بصورة مفاجئة في الصحراء ليلاً، وتارة يدلف التائه في الصحراء إليها عبر بئر مهجورة وناضبة، وتارة تنفتح أحد الجسور المرصودة عن مدخل ليمر منه الداخل ثم ينغلق دونه، أو يظهر القصر الذهبي كمقدمة لهذه المدينة المخفية وفي كل الأحوال يكون الوصول إلى "زرزورة" براً. إنها مدينة يسكنها الجان، يملكونها، ويسترونها عن الأنظار ولا يظهرونها إلا لمن يريدون، أو بمعنى أدق لمن يتوافر فيه شرط الوصول إليها، فكل ما فيها من خيرات غير ذي قيمة بالنسبة لهذه الكائنات فوق الطبيعية، لهذا فهي جنة مهملة، وما بها لا يمثل أهمية إلا للغريب عنها، ويتابع: زرزورة مثل غيرها من المدن المفارقة، تمتلئ بالذهب وإذا كانت الجماعة الشعبية المتشوقة للثراء ترنو بخيالها إلى "القناطير المقنطرة من الذهب والفضة" كحالة من التعويض عما تلاقيه في بيئاتها المحرومة من ندرة في الأموال والثروات، لكنها لا تغالي في جعلها مفارقة للواقع تماماً كما في الجنة السماوية التي تمتلئ بقصور ذهبية وآنية وكؤوس وأساور وأبواب مصاريع وخيل كلها من الذهب، إنما ما تفعله هذه المخيلة أن تجعل الأشجار مثلما هي على الأرض وإن كانت موفورة الثمار.